ظهر لوسائل الإعلام لأول مرة منذ توليه مهمة المدعي العام لجرائم دارفور، وكيل وزارة العدل ومدعي عام جرائم دارفور مولانا عبدالدائم زمراوي ، وقال في حديثه بمنبر سونا يوم الأحد الماضي : ( ان الحصانات التي تضمنتها القوانين اجرائية ، وأكد : لن يفلت أحد من العقاب والمحاسبة اذا ثبت تورطه في جرائم دارفور). حسناً ما قاله مولانا زمراوي في هذا المنحي ، ونتوق – مثلما يتوق كثيرون – ان نسمع في القريب العاجل ، ان المدعي العام لجرائم دارفور اوقف المسئولين عن هذه الجرائم البشعة التي هزت الضمير الإنساني ، ولفتت اعين العالم لما يدور في هذه الارض المنسية.
وقد كانت السمة المميزة التي اتسمت بها الجرائم التي تم ارتكابها في اقليم دارفور هي افلات مرتكبي تلك الجرائم من العقاب ، وظلت مشكلة الافلات من العقاب تستعصي علي الحلول طوال السنوات الماضية ، وفي هذا المنحي ذكر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السيد لويس مورينهو اوكامبو : ان الحكومة السودانية تحمي مرتكبي الجرائم. فياتري ماذا سيفعل مولانا زمراوي لمواجهة هذه المعضلة؟.
وما أن تاتي سيرة التحقيقات في الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في دارفور إلا ويتبادر للذهن العديد من اللجان والمدعين العامين الذين عينتهم الحكومة السودانية للتقصي والتحقيق في تلك الجرائم ، ومعروف ان الحكومة السودانية عينت اول مدعي عام للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت في دارفور عام 2005 ، (ابكم) ثم مدعي آخر في العام 2008 (نمر) ، ثم مدعي جديد هو زمرواي الذي تم تعيينه في هذا العام 2010 ، وظهر يوم الأحد الماضي لوسائل الاعلام بمنبر سونا وقال : ان التحقيقات التي تولاها اعضاء مكتبه بالتعاون مع ضباط من جهاز الأمن الوطني والمخابرات والشرطة والقوات المسلحة اثبتت تورط (50) متهماً اصدر اوامر قبض بحقهم .كما اثبتت تورط حركة تحرير السودان جناح عبدالواحد نور في احداث سوق تبرا بولاية شمال دارفور.
وبينما انا استمع لتصريحات مولانا زمراوي تلك ، طرحت علي نفسي سؤالاً ملحاً وهو : ماذا فعل مولانا زمرواي ومكتبه بنتائج التحقيقات السابقة التي توصلت لجان التقصي الوطنية والدولية ؟
من المعروف ان الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد كوفي عنان قد قام ــ بناء علي قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1564 (2004) ــــ بإنشاء لجنة تحقيق دولية تضطلع بالتحقيق في التقارير المتعلقة بانتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ترتكبها جميع الأطراف في دارفور، ولتحدد أيضا ما إذا كانت وقعت أعمال إبادة جماعية، وتحديد هوية مرتكبي تلك الانتهاكات لكفالة محاسبة المسؤولين عنها.
في أكتوبر 2004، عين الأمين العام، أنطونيو كاسيسيه (رئيسا) وهينا جيلاني وتيريزا ستريغنر - سكوت ودوميسا نتسيبيزا ومحمد فايق أعضاء في اللجنة وطلب إليهم تقديم تقرير عن نتائج تحقيقاتهم خلال ثلاثة أشهر. وساندت اللجنة في عملها أمانة ترأستها مديرة تنفيذية، هي منى رشماوي، فضلا عن فريق للبحث القانوني وفريق للتحقيق مؤلف من محققين وخبراء في الطب الشرعي، ومحللين عسكريين، ومحققين متخصصين في مجال العنف ضد المرأة، عينتهم جميعا مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. واجتمعت اللجنة في جنيف وبدأت عملها في 25 أكتوبر 2004.
ولكي تضطلع اللجنة بولايتها، عملت على أداء أربع مهام رئيسية، هي: (1) التحقيق في التقارير المتعلقة بالانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي وللقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ارتكبتها جميع الأطراف في دارفور؛ و (2) تحديد ما إذا كانت قد ارتكبت أعمال إبادة جماعية أم لا؛ و (3) تحديد مرتكبي انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان في دارفور؛ و (4) اقتراح الوسائل الكفيلة بمحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات. ولئن كانت اللجنة قد نظرت في جميع الأحداث ذات الصلة بالصراع الجاري في دارفور، فقد ركزت أعمالها بصفة خاصة على الأحداث التي وقعت في الفترة بين فبراير 2003 ومنتصف يناير 2005.
* انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي :
قالت اللجنة في تقريرها انها نظرت، وفقا لولايتها في التحقيق في التقارير المتعلقة بانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، في تقارير واردة من مصادر مختلفة ومن بينها حكومات، ومنظمات حكومية دولية، وهيئات وآليات تابعة للأمم المتحدة، ومنظمات غير حكومية.
وذكرت اللجنة انها اتخذت منطلقا لأعمالها حقيقتين لا يمكن دحضهما بشأن الحالة في دارفور. أولا، فوفقا لتقديرات الأمم المتحدة، هناك أشخاص مشردون داخليا في دارفور يبلغ عددهم 1.65 مليون شخص، ويوجد أكثر من 000 200 لاجئ من دارفور في تشاد المجاورة. ثانيا، حدث دمار واسع النطاق للقرى في جميع أرجاء ولايات دارفور الثلاث. وأجرت اللجنة تحقيقات مستقلة للوقوف على المزيد من الوقائع وجمعت قدرا كبيرا من المعلومات عن حالات انتهاكات متعددة ارتكبت في قرى ومدن ومواقع أخرى عبر ولايات شمال دارفور وجنوب دارفور وغرب دارفور. وتستند نتائج تحقيقات اللجنة إلى تقييم الوقائع التي تجمعت لديها أو استوثقت منها أثناء التحقيق.
توصلت اللجنة الي مسؤولية حكومة السودان ومليشيات الجنجويد عن انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي تشكل جرائم بموجب القانون الدولي. وعلى وجه الخصوص، فقد تبين للجنة أن قوات الحكومة والمليشيات شنت هجمات عشوائية، شملت قتل المدنيين، والتعذيب، والاختفاءات القسرية، وتدمير القرى، والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والنهب، والتشريد القسري، في جميع أرجاء دارفور. وقد نُفذت هذه الأعمال على نطاق واسع وبصورة منهجية، وهي بالتالي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية. وأدت أعمال التدمير والتشريد واسعة النطاق إلى فقدان عدد لا يحصى من النساء والرجال والأطفال لأسباب المعيشة ووسائل البقاء. وبالإضافة إلى الهجمات واسعة النطاق، جرى اعتقال واحتجاز الكثيرين، وعزل الكثيرون في أماكن مجهولة لفترات طويلة وعُذبوا. وكانت الأغلبية الساحقة من ضحايا هذه الانتهاكات من قبائل الفور والزغاوة والمساليت والجبل والأرنجا وغيرها من القبائل المسماة بالقبائل ”الأفريقية“.
اتضح من نتائج تحقيقات اللجنة أن أغلب الهجمات استهدفت المدنيين عمدا وبصورة عشوائية. وابدت اللجنة انزعاجها الشديد أن أعمال التهجم على القرى، وقتل المدنيين، والاغتصاب، والنهب، والتشريد القسري استمرت كلها خلال فترة ولاية اللجنة.
وقالت اللجنة انه : (لم يتبين لديها وقوع هذه الانتهاكات وفق نمط منهجي أو منتشر ولكنها وجدت أدلة موثوقا بها على أن قوات التمرد، وجيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة مسؤولة هي أيضا عن وقوع انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي قد تشكل جرائم حرب. ومن بين هذه الانتهاكات، بوجه خاص، قتل المدنيين وأعمال النهب.)
* هل حدثت أعمال إبادة جماعية؟
خلصت اللجنة إلى أن حكومة السودان لم تتبع سياسة الإبادة الجماعية. لكنها اقرت بتوافر ركنين من أركان الإبادة الجماعية استنادا إلى وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبتها القوات الحكومية والمليشيات الواقعة تحت سيطرتها. والركنان هما: أولا، الفعل الإجرامي، فعل القتل، أو إلحاق أذى جسدي أو معنوي جسيم، أو تعمد إخضاع آخرين لظروف معيشية تؤدي على الأرجح إلى الهلاك البدني؛ وثانيا، وهذا معيار ذاتي، وجود جماعة محمية يستهدفها مقترفو السلوك الإجرامي. ورأت اللجنة أن العنصر الجوهري، عنصر عقد النية للإبادة الجماعية، غير موجود، على الأقل فيما يتعلق بالسلطات الحكومية المركزية. وقالت: إن سياسة التهجم على أفراد بعض القبائل وقتلهم وتشريدهم قسريا لا تدل على وجود نية محددة للإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة تميزها مقومات عرقية أو إثنية أو قومية أو دينية معينة. والأحرى أن من خططوا للهجمات على القرى ونظموها فعلوا ذلك، على ما يبدو، بنية طرد الضحايا من مساكنهم، لأغراض تتعلق أساسا بالحرب ضد التمرد.
وتقر اللجنة بأنه ربما يكون هناك أفراد، ومن ضمنهم مسؤولون حكوميون، ارتكبوا أعمالا بنية الإبادة الجماعية. وقالت أن البت في صحة ذلك أو عدم صحته في دارفور أمر لا يتسنى إلا لمحكمة مختصة وعلى أساس كل حالة على حدة.
واوضحت اللجنة بأن الاستنتاج القائل بأن السلطات الحكومية لم تتبع ولم تنفذ سياسة الإبادة الجماعية في دارفور، مباشرة أو عن طريق المليشيات الخاضعة لسيطرتها، لا ينبغي أن يفسر بأية طريقة تقلل من خطورة الجرائم التي ارتُكبت في تلك المنطقة. وقالت ان الجرائم الدولية من قبيل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتُكبت في دارفور قد لا تقل خطورة وفظاعة عن جريمة الإبادة الجماعية.
* تحديد هوية مرتكبي الانتهاكات :
جمعت اللجنة عناصر موثوقا بها ومتسقة تشير إلى مسؤولية بعض الأفراد عن ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي، بما فيها جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، في دارفور. وبغية تحديد هوية مرتكبي هذه الانتهاكات، قررت اللجنة أنه لا بد من توافر مجموعة مواد موثوق بها تكون متسقة مع ظروف أخرى جرى التحقق منها وتنحو إلى إظهار جواز ومعقولية اتهام شخص بالضلوع في ارتكاب جريمة. ومن ثم، تجري اللجنة تقييما لمن يحتمل الاشتباه فيهم، دون إصدار حكم نهائي بإسناد الذنب الجنائي.
واوضحت اللجنة بأن : أولئك الذين أشير إليهم بوصفهم أشخاصا يحتمل أن يكونوا مسؤولين عن الانتهاكات الآنفة الذكر يتألفون من فاعلين أفراد، ومن ضمنهم مسؤولون في حكومة السودان، وأعضاء في قوات المليشيا، وأعضاء في الجماعات المتمردة، وبعض ضباط جيوش أجانب عملوا بصفتهم الشخصية. وسمي أيضا بعض المسؤولين الحكوميين، فضلا عن بعض أعضاء قوات المليشيا، باعتبار احتمال مسؤوليتهم عن المشاركة في توجه إجرامي مشترك لارتكاب جرائم دولية. وحُدد آخرون لإمكانية ضلوعهم في التخطيط لارتكاب جرائم دولية و/أو الأمر بها، أو المساعدة على ارتكابها والتحريض عليها. وكذلك أشارت اللجنة إلى عدد من كبار المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين ربما يكونون مسؤولين، بموجب مفهوم مسؤولية الرئيس (أو القائد)، عن عدم منع أو قمع ارتكاب جرائم رغم علمهم بها. وسُمي أعضاء من المجموعات المتمردة كمشتبه فيهم للاشتراك في توجه جنائي مشترك لارتكاب جرائم دولية وبصفتهم أشخاصا يحتمل أن يكونوا مسؤولين عن عدم منع أو قمع ارتكاب جرائم اقترفها المتمردون، رغم علمهم بها.
وقررت اللجنة عدم الإفصاح عن أسماء هؤلاء الأشخاص. ويستند هذا القرار إلى ثلاثة أسس رئيسية هي: أهمية مبدأي أصول المحاكمات واحترام حقوق المشتبه فيهم؛ و عدم منح اللجنة سلطة التحقيق أو الادعاء القانوني؛ و شدة الحاجة إلى كفالة حماية الشهود من احتمال التعرض للمضايقة أو التخويف. وعوضا عن ذلك، تعد اللجنة قائمة بالأسماء تضعها في ملف مغلق مختوم يودع لدى الأمين العام للأمم المتحدة. وتوصي اللجنة بتسليم هذا الملف إلى مدع عام مختص (هو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وفقا لتوصيات اللجنة) كي يستخدم هذه المواد على النحو الذي يراه مناسبا لما يجريه من تحقيقات. وسيسلم ملف مغلق مختوم منفصل ضخم جدا يتضمن جميع المواد الاستدلالية التي جمعتها اللجنة إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان. وينبغي تسليم هذا الملف إلى مدع عام مختص.
* آليات المساءلة :
اوصت اللجنة بشدة بأن يحيل مجلس الأمن الحالة في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية فورا، عملا بالمادة 13 (ب) من النظام الأساسي للمحكمة. وكما أعلن مجلس الأمن مرارا، تشكل الحالة تهديدا للسلم والأمن الدوليين. وعلاوة على ذلك، فكما أكدت اللجنة، تواصل جميع الأطراف ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي. ومن شأن مقاضاة المحكمة الجنائية الدولية للأشخاص المدعى بمسؤوليتهم عن أخطر الجرائم في دارفور أن تسهم في استعادة السلام في المنطقة.
وقالت اللجنة في تقريرها : (نظام العدالة السوداني غير قادر على معالجة الحالة في دارفور وغير راغب في ذلك. وقد أُضعف هذا النظام كثيرا خلال العقد الماضي. وكان من شأن القوانين المقيدة التي تمنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة أن قوضت فعالية الهيئة القضائية. وكثير من القوانين السارية في السودان اليوم تخالف المعايير الأساسية لحقوق الإنسان. والقوانين الجنائية السودانية لا تحرّم بالقدر الكافي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، من قبيل الجرائم التي ترتكب في دارفور، وقانون الإجراءات الجنائية يتضمن أحكاما تحول دون المقاضاة الفعالة على هذه الأعمال. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أبلغ ضحايا كثيرون اللجنة بأنهم لا يثقون كثيرا في حياد نظام العدالة السوداني وقدرته على محاكمة المسؤولين عن الجرائم الخطيرة المرتكبة في دارفور. وعلى أي حال، يخشى الكثيرون من التعرض لأعمال انتقامية في حالة لجوئهم إلى نظام العدالة الوطني.)
واوصت اللجنة كذلك بأن تتخذ حكومة السودان عددا من التدابير الجادة، خاصة في صعيد وضع حد للإفلات من العقاب على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في دارفور؛ و تعزيز استقلال الهيئة القضائية وحيادها، وتمكين المحاكم من معالجة انتهاكات حقوق الإنسان؛ و إتاحة وصول لجنة الصليب الأحمر الدولية ومراقبي حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة على نحو كامل وغير معاق إلى جميع المحتجزين فيما يتعلق بالحالة في دارفور؛ و كفالة الحماية لجميع ضحايا وشهود انتهاكات حقوق الإنسان ؛ و تعزيز قدرة الهيئة القضائية السودانية عن طريق تدريب القضاة، والمدعين العامين، والمحامين؛ و احترام حقوق الأشخاص المشردين داخليا والتنفيذ الكامل للمبادئ التوجيهية المتعلقة بالتشرد الداخلي، خاصة فيما يتعلق بتيسير العودة الطوعية للمشردين داخليا في أمان وبكرامة؛ و التعاون الكامل مع هيئات وآليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ذات الصلة؛ و إنشاء لجنة للحقيقة والمصالحة، من خلال عملية تشاورية واسعة، فور استتباب السلام في دارفور.
واوصت اللجنة أيضا باتخاذ هيئات أخرى عددا من التدابير للمساعدة في كسر دائرة الإفلات من العقاب. ومن بين هذه التدابير ممارسة دول أخرى لمبدأ الولاية العالمية، وقيام لجنة حقوق الإنسان بإعادة إنشاء ولاية المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في السودان، وتقديم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان تقارير علنية ودورية عن حالة حقوق الإنسان في دارفور.
هذا التلخيص – الذي حاولت قدر الامكان ان يكون غير مخل - لتقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق باقليم دارفور الذي قدمته للامين العام للأمم المتحدة الذي قدمه بدوره لمجلس الأمن. وهو تقرير واف ، شخص الأزمة وتوصل الي المجرمين الحقيقيين الذين ارتكبوا جرائم الحرب في دارفور ، نتمني أن لايغفله مكتب المدعي العام مولانا زمرواي.
كما ان هنالك لجنة وطنية لتقصي الحقائق شكلها رئيس الجمهورية بموجب القرار رقم 97 لسنة 2004م لتقصى الحقائق حول الإدعاءاتٍ بانتهاكات حقوق الانسان بولايات دارفور. وقد حدد القرار تشكيل اللجنة واختصاصاتها وسلطاتها على ان تمارس عملها بموجب قانون لجان التحقيق لعام 1954م.
اللجنة التي تراسها مولانا دفع الله الحاج يوسف ، قالت بأنها عقدت (65) اجتماعاً واستمعت الى (288) شخصاً كما زارت ولايات دارفور الثلاث عدة مرات و ذهبت الى (30) منطقة للوقوف على مسارح الاحداث واخذت البينة على اليمين من الشهود، كما اجتمعت بالسلطات المحلية والولائية والادارات الاهلية ومنظمات المجتمع المدنى والمنظمات العاملة فى مجال الإغاثة المحلية والاجنبية العاملة بولايات دارفور.
هذه اللجنة خلصت الي ان هناك انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان وقعت بولايات دارفور الثلاث شارك فيها كل اطراف النزاع بدرجاتٍ متفاوته ادت الى معاناة انسانية لاهل دارفور تمثلت فى النزوح الى عواصم الولايات واللجوء الى تشاد.
وقالت اللجنة ان ما حدث فى دارفور بالرغم من جسامته لا يشكل جريمة الابادة الجماعية ذلك ان اشراطها لم تتوفر، فلم يثبت امام اللجنة ان احدى المجموعات المحمية وهى الاثنية او الدينية او العرقية او القومية وقع عليها ضرر جسدى او عقلى او أخضعت لعوامل معيشية قصد بها هلاكها كليا او جزئيا وتم ذلك بسوء قصد. وقالت ان ما وقع فى دارفور من احداث لا يشابه ما جرى فى رواندا او البوسنة او كمبوديا ففى تلك السوابق كانت الدولة تنتهج جملة سياسات تؤدى الى هلاك احدى المجموعات المحمية.
قالت اللجنة انه ثبت لديها ان القوات المسلحة قصفت بعض المناطق التى تحتمى بها عناصر من المعارضة المسلحة ونتيجة لذلك القصف قتل بعض المدنيين وقد قامت القوات المسلحة بإجراء تحقيقات فى هذا الامر وقامت بتعويض المتضررين بمناطق هبيلة، وام قوزين، وتولو ولازال التحقيق جارياً فيما يتعلق بحادثة ود هجام.
واكدت اللجنة بانه ثبت لديها ان المعارضة المسلحة ارتكبت نفس الافعال فقتلت مدنيين عزل وعسكريين جرحى فى مستشفى برام وقامت بحرق بعضهم احياء.
وقالت اللجنة ان كثيراً من حوادث القتل ارتكبته مختلف القبائل ضد بعضها البعض فى مناخ الصراع الدائر فى بعض المناطق مثل سانيا دليبة وشطايا وغيرها.
وقالت ان قتل المدنيين فى جميع الحالات السابقة يشكل انتهاكاً للمادة الثالثة المشتركة فى اتفاقيات جنيف 1949م .
ورأت اللجنة ان حوادث القتل بملابساتها المختلفة لا تشكل فى راى اللجنة جريمة الابادة الجماعية لعدم توفر عناصر هذه الجريمة وعلى وجه الخصوص عدم ثبوت استهداف اى من المجموعات المحمية والقصد الجنائى .
ذكرت اللجنة انه وردت ادعاءات بوقوع حالات إعدام بلا محاكمة من جميع الأطراف غير ان بعض الادعاءات فى هذا الشان لم تثبت امام اللجنة بما يقطع دابر الشك ولذلك اوصت اللجنة فى حالاتٍ محددة باجراء تحقيق قضائى مستقل
اما فى شان جرائم الاغتصاب والعنف الجنسى فقد قالت اللجنة انها حققت فيها فى جميع ولايات دارفور على مستوياتٍ مختلفة واستمعت على اليمين لعدد من الشهود بما فيهم المجنى عليهن وقامت بعرضهن على الكشف الطبى كما استصحبت اللجنة تقارير اللجان القضائية المفصلة التى زارت مختلف المناطق بدارفور بما فى ذلك معسكرات النازحين ؛ ومن كل ذلك ثبت امام اللجنة ان حوادث اغتصاب وعنف جنسى قد ارتكبت فى ولايات دارفور ،وقالت اللجنة ان هذه الحوادث لم ترتكب بطريقة ممنهجة وعلى نطاق واسع مما يشكل إرتكاب جريمة ضد الانسانية كما ورد فى الادعاءات، وقالت اللجنة ان اغلب جرائم الاغتصاب قد سجلت ضد مجهولين الا ان التحرى قاد الى توجيه اتهام لعدد من الافراد بما فيهم عشرة من افراد القوات النظامية ؛
زارت اللجنة عدة مناطق فى ولايات دارفور ادعى البعض ان ثمة نقل قسرى او تطهير عرقى قد وقع فيها، واستجوبت اللجنة اهالى تلك المناطق وثبت امامها ان بعض المجموعات من القبائل العربية هجمت على منطقة ابرم وعلى وجه التحديد قريتى مٌراية وام شوكة مما ادى الى نزوح بعض المجموعات ذات الاصول غير العربية منها واستقرت فيها الا ان السلطات كما افاد معتمد محلية كاس – في حديثه للجنة - قد شرعت فى اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتصحيح هذا الوضع واعادة الممتلكات لاصحابها. ان ما قامت به بعض المجموعات العربية افضى الى نزوح قسرى لتلك المجموعات ولذلك ترى اللجنة ان يتم تحقيق قضائى لمعرفة الظروف والملابسات التى ادت لهذا الوضع فاذا ما ثبت ارتكاب جريمة النقل القسرى تتخذ الاجراءات القانونية ضد تلك المجموعات ذلك ان ما حدث يشكل سابقة خطيرة تخل بالاعراف السائدة ويؤدى بدوره الى افعال مشابهة تؤدى الى تفاقم المشكلة.
وقالت اللجنة انها زارت اللجنة الكثير من القرى التى تم حرقها بمحليات كلبس، الجنينة وادى صالح وكاس ووجدت ان اغلبها غير مأهول مما لم يمكنها من استجواب سكانها كما وجدت فى بعضها قوات من الشرطة التى تم نشرها مؤخراً بعد الاحداث تمهيداً للعودة الطوعية للنازحين. ولكن افادات الشراتى والعمد الذين اصطحبتهم اللجنة فضلاً عن القرائن – التي راتها اللجنة - تدل على ان مسئولية حرق القرى تقع على كل الاطراف فى مناخ النزاع المستعر، وثبت ان افعال الحرق كانت سبباً مباشرا فى نزوح سكان تلك القرى من القبائل المختلفة والتى تشكل قبيلة الفور اغلبية سكانها الى المعسكرات، مثل دليج وكلمة، قرب المناطق الآمنة والتى تتوفر فيها الخدمات المختلفة.
وقالت اللجنة ان اسباب النزاع تستدعي اتخاذ تدابير ادارية وقضائية اوصت اللجنة بدراستها كما اوصت بمعالجة القصور الاداري
اوصت اللجنة ، ايضاً ، فى تقريرها بتكوين لجان تحقيق قضائية فى : الادعاء بالاعدامات خارج النطاق القضائى بمنطقة دليج وتنكو لوجود قرائن ترى اللجنة ان يتم فيها تحقيق قضائى مفصل وتقديم من تثبت ضدهم تهمة مبدئية للمحاكمة خصوصاً ان هنالك اتهام موجه الى افراد بعينهم.
وفي الادعاء باستيلاء بعض المجموعات العربية على قريتين لقبيلة الفور بمحلية كاس والتى علمت اللجنة ان تحقيقاً ادارياً يجرى فيها الآن بواسطة لجنة كونها والى ولاية جنوب دارفور،وذلك لخطورة الاتهام وتداعياته التى تستوجب الاسراع فى الاجراءات.
كما اوصت اللجنة بالتحقيق فيما تم فى برام ومليط وكلبس من قتل للجرحى فى المستشفيات وحرق بعضهم احياء،واتخاذ الاجراءات تجاه الجناة خصوصاً وقد تضمنت افادات الشهود اسماء معينة ومعروفة لدى المواطنين.
هذا التلخيص ، غير المخل، لتقريري لجنتي التقصي الدولية والوطنية بشأن الجرائم التي ارتكبت في دارفور نضعه بين يدي القارئ المتابع لمجريات الأحداث بالاقليم ، ونذكر به مكتب المدعي العام لجرائم دارفور علي أمل أن تستبصر بهما التحقيقات التي تتم في المستقبل لتتمكن من الوصول للمجرمين الفعليين ، وتكون بمثابة طعن في الفيل وليس في ظله!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1/ تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام -2005 م.
2/ تقريرلجنة تقصى الحقائق حول الادعاءات بانتهاكات حقوق الانسان
المرتكبة بولايات دارفور (لجنة مولانا دفع الله الحاج يوسف) – 2004م.