الأحد، 6 نوفمبر 2011

فــي إنتـظــــار القطـــــار



الجنوبيون العالقون بالشمال .. العيش علي حافة الحياة !

تحت رحمة الهجير ، وعلي حواف الحياة تتراص مساكنهم المصنوعة من أثمال خيام بالية ، ومشمعات فعل الزمن بها فعلته ، وجوالات خيش!، تحت شمس الخرطوم الحارقة يتجمعون ، من كل صوب أتوا يحملون هموم رحلتهم الشاقة نحو وطنهم الجديد .. وجهتهم كانت هذا المكان : محطة القطارات بمدينة الشجرة جنوب الخرطوم.
مابين 1500 - 1750 أسرة (تقريباً)  هم عدد السكان المقيمين بهذا المكان القريب من قلب الخرطوم والبعيد عن أعين مسئوليها.تجمعوا من شتي أنحاء السودان في انتظار قطارٍ لا أحد يعرف ميقات مجيئه.!
سانتينو قرنق ، شاب في مقتبل العمر ، انطفأ في عينيه بريق الامل، يخاطبني بحزن عميق ، ومن بين دموعه المنهمرة يقول لي : الأوضاع هنا صعبة ، عبارته كانت كافية لوصف هذا المكان ، لكني ألححتُ عليه بأن يحدثني أكثر ، يقول سانتينو بلغته العربية المبينة : جئت أنا وأسرتي إلي هذا المكان منذ ديسمبر من العام 2010م ، ولكن هنالك أسر حضرت إلي هنا في يناير وفبراير وحتي مارس وأبريل من هذا العام ، ومنذ ذلك الحين ونحنُ في انتظار القطار.نعيش هنا أوضاعاً قاسية، لك ان تتصور ان تجبر علي العيش في مكان تنعدم فيه كل مقومات الحياة، نعيش هنا بلا ماء ولا طعام ولا عمل. لا يوجد أحد في هذا المكان يملك شيئاً يقيه شر الجوع أو الهجير. لم يقدم لنا أحد مساعدات تعنيننا علي قسوة العيش هنا. الهلال الأحمر يجلب لنا الماء.وقد اقام خيمة علاجية منذ ثلاثة أشهر تقريباً. عدا ذلك لا شئ يذكر. لم يزورنا مسئول قط لا من الشمال ولا من الجنوب. في هذا المكان تنتشر الامراض بصورة مثيرة للقلق. تنتشر الملاريا ، والإلتهابات بأنواعها ، وهنالك اشخاص مصابون بالتيبي (السل) ، ولا يوجد علاج ، منذ يومين فقط جاء اطباء لهذا المعسكر ولكن بعد ان انتشرت الوبائيات. اليونسيف ايضاً قدمت بعض المساعات الطبية للأطفال ، وفي ظل انتشار الأمراض اضطرت لأن تقدم مساعدات طبية للكبار أيضاً. لك ان تتصور اننا نعيش هنا لأكثر من 11 شهراً ولا يوجد في هذا المكان مرحاض واحد، نستعين ببعض الأسر المجاورة للمعسكر ، ونستعين ببعض اسر العاملين بالسكة حديد ما خلا ذلك فلنا المعاناة التي لا يمكن أن يتخيلها بشر. كل سكان هذا المعسكر لا يعملون ، كان منهم الموظف ، والعامل ، والشرطي ورجل الجيش لكن جميعهم تم فصلهم من الخدمة عقب اعلان الانفصال.يقول سانتينو: انا ولدت هنا في الشمال ودرست هنا واحمل في دواخلي مشاعر طيبة تجاه اهلي في الشمال ، لكن هذه التجربة المريرة من شأنها ان تمحو الكثير.
نحن لا نملك الكثير من المتاع ، ولكن كل ما نملكه اهترأ بفعل الهجير والشمس الحارقة، أصبحنا بين ليلة وضحاها معدمين.
 يقول سانتينو ان جميع سكان هذا المعسكر أتوا من مناطق مختلفة داخل وخارج الخرطوم ، فمنهم من أتي  من شندي، ومن كسلا ، ومن الدندر، ومن القضارف ، ومن مدني وسنار هذا بالإضافة إلي مناطق الخرطوم المختلفة كالكلاكلات والأندلس وامدرمان. وهم جميعهم في انتظار العودة إلي ولاية بحر الغزال – أويل، مع وجود عدد قليل  لاينتمون إلي ولاية بحر الغزال.
بوب ، هو الآخر من سكان هذا المعسكر قصدت راكوبته الصغيرة ،المبنية من جولات خيش فارغة وفروع الأشجار، وجدته متدثراً همومه وأوجاع البقاء في هذا المكان المعزول. تردد في الحديث إلي وأشاح وجهه عني عدة مرات ، لكني كنت مُلحاً وكذا أصدقاء بوب ، حثوه علي الحديث ، قالوا له بامكان الصحافة ان تساعدنا في التعجيل بمفارقة هذا المكان ، لكنه روي لي ولهم قصة الرجل الذي أتي هنا ،قبل عدة ايام، وسألهم عن أوضاعهم ثم أتت بعده (كشة) البوليس، بوب مصاب برعب الكشات فيما يبدو من حديثه ، أول كلماته كانت شكواه ضد كشات البوليس المتواصلة. سألته عن أحواله وكيف يحيا في هذا المكان؟ فقال لي: ( أنا مجبور أقعد في مكان دا ، عشان منتظر قطر يجي يودينا بلدنا) ، حدثني بحزن عميق عن الكشات ومعاناته الشخصية معها ، قال لي : ( البوليس بجي هنا مرتين في يوم واحد ) دورية صباحية ودورية مسائية وكل يوم يتم إلقاء القبض علي عشرات الشباب والشابات بدعوي تدخين الشيشة! ، سالته هل توجد هنا محال تجارية للشيشة فرد بالنفي ، وقال : لكن بعض الشباب يمتلكون الشيشة في بيوتهم ، ولأنه لا توجد بيوت هنا فالكشة تأخذ الجميع !!. يقول بوب : الناس هنا يتعرضون يومياً للإهانة ، نحن نريد ان نغادر هذا المكان إلي مكان نجد فيه الإحترام ولكننا لا نملك حتي ثمن الرغيف فكيف لنا أن نستطيع الرحيل إلي الجنوب أو أي  مكان آخر. سألت بوب عن الجهات التي قدمت أو تقدم لهم أي نوع من المساعدات فرد : ( مـافي)!.
كرستوفر ، الصديق الآخر لبوب ، ألتقيتهم في نفس المكان ، قال لي توجد الكثير من المآسي الإنسانية هنا ، روي كرستوفر انه قبل عدة أسابيع توفي أحد سكان المعسكر فذهبنا لندفنه بمقابر حسن الخاتمة القريبة من منطقة مايو ، كانت هي الاقرب والتي يعرفها بعضنا ، هناك تفاجئنا بان اللجنة المسئولة رفضت السماح لنا بالدفن ! كدنا ان نترك الجنازة في العراء ونذهب ، ولكن بعد مشادات كلامية حادة وتدخلات من أطراف عديدة بينها مواطنون شماليون سمحوا لنا بالدفن!.. من جانبها حاولت (الأيام) الإتصال بلجنة مقابر حسن الخاتمة لتأكيد الحادثة ولكن لم يتثني لنا الحصول علي مقابلة مع اللجنة المسئولة.
بول ، في السادسة عشر من عمره ، حدثني عن همومه وهموم أنداده ، يقول بول : جئت إلي هذا المعسكر منذ 6 أشهر ، وما زلت في انتظار القطار، كنت أدرس بمدارس كمبوني، ولكن للاسف حالياً تركت الدراسة. لا أستطيع الذهاب إلي المدرسة لأن والدي فصل عن العمل ولا أستطيع توفير  مصاريف الدراسة والمواصلات والنفقات اليومية. عدد كبير من اصاقائي هنا تركوا دراستهم وتفرغوا للإنتظار!، نحاول ترتيب أوضاعنا عسي ولعل ان نلتحق بالعام الدراسي ، مستقلبنا يتبدد ونحن ما بين بلدين وهموم كثيرة.
الناس هنا لايجدون ما يعينهم علي قساوة الحياة ، ويعيشون في ظروف بالغة التعقيد ، معسكر بكامله واكثر من 1500 أسرة تتواجد في هذا المكان بلا مأوي ولا سبل عيش ، وحتي يلا مراحيض ، فكلم أن تتخيلوا حجم المأساة!.
سألتُ الأستاذ خالد عبدالقادر ممثل مفوضية العمل الطوعي عن عملهم فيما يتعلق بهذا المعسكر، فقال بدانا اليوم (12 اكتوبر) تسجيل جميع الموجود بهذا المعسكر بغية ترحيلهم إلي الجنوب عن طريق القطارات.وأضاف: لم نفرغ بعد من التسجيل ولكن نعمل بصروة حثيثة للفراغ من التسجيل ومن ثم الترحيل. ويقول من المعوقات التي تواجه عملهم هي الأعداد الكبيرة من الناس الموجودين بالمعسكر ، يضيف خالد هذا العدد أكبر من طاقتنا. هذا بالإضافة إلي انتشار العديد من الأمراض والأوبئة وسط المقيمين بهذا المعسكر. يقول خالد : هنالك حالات درن (سل) تنتشر وسط المقيمين هنا. وهنالك عدد من الأفراد لابد من حجزهم للعلاج قبل الترحيل ، وهنالك حوامل لابد ان تتم معاملتهن بصورة خاصة.
يقول خالد ان آخر يوم لترحيل جميع الموجودين بهذا المعسكر إلي الجنوب هو يوم 31 ديسمبر 2011 بحسب خطة مفوضية العمل الطوعي والإنساني. ويضيف: بحسب الخطة ايضاً هنالك 8 قطارات ستسافر محملة بالعائدين إلي الجنوب ، وخطتنا ان نقوم بترحيل 12,761 فرد ، وقال خالد ان الموجودين بهذا المعسكر يقدروا بحوالي 3 آلاف فرد بحسب احصاءات أولية.
تتسع رقعة المأساة .. الحاج يوسف الشقلة ، ساحة أخري من ساحات انتظار القطار والتشبث بالأمل. في ميدان وسط الحي يتجمع العالقون ، هنا ايضاً تنعدم مقومات الحياة . وتضيق فرص العيش.
منذ أكثر من 11 شهراً يعيش موسس لوال مدوت في هذا المكان .. ويصف الوضع بانه صعب للغاية. يقول موسس عشت عمري كله في الشمال وحالياً انا في انتظار العودة لوطني الجديد ، سأعود بلا أي شئ ولا أي ممتكات لأن : (العفش حقنا كلو الشمس أكلو ) ، جميع حاجياته إهترأت بفعل الهجير .. هي 11 شهر قاسية. يقول موسس  عشنا معظم فصول السنة في هذا الميدان/ المعسكر . أمطرت ونحن هنا ، وجاء الصيف ونحن هنا ، عشنا في هذا العراء تحت المطر وتحت حر الشمس. أطفالنا يعانون ، وقد تم توقيفنا من العمل ، ولا نجد ما يعنينا علي قسوة الحياة. تصعب علينا المعيشة. نستلف الماء من الجيران بالاحياء ، ونستخدم مراحيضهم بعض الأحيان ولكنا نستحي في مرات كثيرة. أحس بالضيق  لأننا نضايق الجيران الذين يعاملونا بإحترام وشفقة، يقول موسس. ويضيف : هذا المكان لو استمر بقاءنا فيه سيكون مرتع للأمراض ، وحالياً يوجد الكثير من المرضي وتنتشر الوبائيات خاصة وسط الأطفال.
اتصلت بالاستاذ صلاح كشول المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية لطلب بعض الايضاحات حول أمر الجنوبيين العالقين بالشمال ولكن هاتفه لايستجيب.
هي معاناة إنسانية بكل المقاييس ،معاناة الجنونبيين العالقين بالشمال ، نعكسها هنا فهل من مجيب؟

(نشر بصحيفة الأيام)

السبت، 1 أكتوبر 2011

حول ولاية الخبير المستقل المعني بأوضاع حقوق الإنسان في السودان


تضاربت الأخبار الواردة بصحف الخرطوم في الأيام الماضية حول ولاية الخبير المستقل المعني بأوضاع حقوق الإنسان في السودان، القاضي محمد عثمان تشاندي، فبعض الصحف حملت في عناوينها البارزة خبراً  مثل : " مجلس حقوق الإنسان يُنهي ولاية الخبير المستقل للسودان " (الإنتباهة/ الجمعة 30 سبتمبر) ، و " مجلس حقوق الإنسان ينهي ولاية الخبير المستقل في السودان "  (الرائد /الجمعة 30 سبتمبر) ، و " انهاء ولاية الخبير المستقل لحقوق الانسان بالبلاد" (السوداني)، بينما أوردت صحيفة  الأحداث : (مجلس حقوق الانسان يمدد مهمة شاندى) ، وتحت عنوان : (إنهاء ولاية خبير حقوق الإنسان الرقابية بالسودان) أجرت الإذاعة السودانية عدداً من الحوارات مع أبراهيم المفتي وممثل لوزارة الخارجية كانت محل اهتمام نشراتها الإخبارية ليوم الجمعة.


ولا أدري ما إذا كان هذا التضارب المخل بالمهنية هو نتيجة جهل بما دار في جنيف حيث عقدت اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، أم انه جاء عمداً بنية التضليل ، الذي يقود إلي الإعتقاد بأن أوضاع حقوق الإنسان في السودان قد تحسنت ؟. أيضاً لا  أعتقد ان هنالك من يظن – برغم زخم التضليل الإعلامي – ان اوضاع حقوق الإنسان في السودان قد تحسنت او ستتحسن ، وكلنا يري يومياً بأم عينيه ويشاهد عن طريق الإعلام غير الموجه الذي أتاحه الإنترنت عشرات المآسي في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور.
الحقيقة التي لا جدال حولها ان مجلس حقوق الإنسان بجنيف لم ( ينهي ) ولاية الخبير المستقل المعني بأوضاع حقوق الإنسان بالسودان، ولاحتي ولايته الرقابية كما أوردت وكالة السودان للأنباء – الوكالة الرسمية بالدولة- بل ان المجلس (مدد) ولاية الخبير المستقل لمدة عام آخر ، وهذا انتصار للنشطاء الحقوقيين السودانيين يجب تهنئتهم عليه.
 المجلس مدد ولاية الخبير المستقل لعام آخر تحت البند العاشر ، وكان الخبيرالمستقل يضطلع بمهامه في السابق تحت البند الرابع، وهنا قد يسأل سائل : ما الفرق بين الولايتين؟ هذا ما سأكرس هذه الكتابة لشرحه وتوضيحه.
البند العاشر الذي تم بموجبه تجديد ولاية الخبير المستقل ، هو بند يعني بالمساعدات الفنية لمساعدة الدول علي تحسين أوضاع حقوق الإنسان علي الأرض، كما يحتوي في نفس الوقت علي ولاية مراقبة أوضاع حقوق الإنسان علي الارض وتقديم تقرير دوري حول التقدم المحرز والانتهاكات التي ترتكبها الحكومات. وفي حالة السودان هذا الأمر يعني انه (فنياً) هي نفس العملية ، ولكن قد يكون لذلك مدلولات (سياسية) ، وهذا الأمر قليل الأهمية بالنسبة للمعنيين فعلياً بتحسين اوضاع حقوق الانسان.
أما البند الرابع فهو يُعني بالبلدان ذات الأوضاع الخاصة ، او الدول ذات السجل الأسوأ في مجال حقوق الإنسان.ومعروف ان السودان ظل مقيداً بهذا السجل لمدة 17 عاماً. الأمر الذي دفع بالدول الأخري، في دورة اجتماعات المجلس الثامنة عشر – وتحديداً أمريكا – أن تقترح علي السودان بان تتم مساعدته فنياً بخبير مستقل يساعده في تحسين أوضاع حقوق الإنسان التي كانت وما زالت محل تجاهل الحكومة السودانية. وأن يمنح فرصة عام يقدم بعدها الخبير المستقل تقريره حول الأوضاع وتعاون الحكومة ، فإذا لم يتحسن شئ علي الأرض فمن المؤكد ان هنالك اجراءات اخري سيتم اتباعها.
من المهم أن نشير إلي أن مشروع قرار تمديد ولاية الخبير المستقل قد طرحته أمريكا علي الحكومة السودانية وتمت مناقشته مع مجموعة الدول الأفريقية بحضور مصر وقطر، وفي البداية رفض السودان مشروع التمديد إلا انه عاد ووافق علي التمديد تحت البند العاشر.
ويجب ايضاً ان نشير إلي أن هذا التغيير في الولاية ليس له أي مدولولات من النواحي الفنية، وهذا هو محل اهتمام المعنيين فعلياً بأوضاع حقوق الإنسان من النشطاء السودانيين وأصدقاء الشعب السوداني.

السبت، 24 سبتمبر 2011

قراءة في واقع حرية الإعتقاد وحقوق الأقليات الدينية في السودان

علي خلفية اتهام 129 مواطناً بالردة

قراءة في واقع حرية الإعتقاد وحقوق الأقليات الدينية في السودان 

تابعتُ باهتمام بالغ علي مدي ثلاث جلسات عقدت بتاريخ (14 – 19 – 22 سبتمبر 2011م) بمحكمة جنايات حي النصر – مايو ، محاكمة 129 متهماً بـ (الردة) ، أمام القاضي اسامة احمد عبدالله. الإتهام الرئيسي الذي تم توجيهه للمتهمين بعد الفراغ من التحري هو المادة (126) من القانون الجنائي السوداني، التي تتعلق بالردة. وبحسب متابعتي لمجريات المحكمة فقد كان جميع المتهمين ينطقون بالشهادتين أمام القاضي الذي يواصل في سماعه وإجراءاته تحت طائلة اتهام (الردة)! دون اكتراث لعشرات الـشهادات التي تم نطقها أمامه ، كان الامر محيراً ، أجريت العديد من المقابلات مع المتهمين، وابلغني طه (إسم غير حقيقي) : ( انه ومجموعته يؤمنون بالله ، ولكنهم غير مقتنعين بالسنة) ،قال لي: ( أنا قرأت صحيح البخاري، وأعرف السنة تماماً ولكني غير مقتنع بذلك)، وهنا بدأت تدور برأسي الاسئلة الموجعة حول حرية الإعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية في هذا البلد.

يقول الشاكي (وهو رقيب بشرطة المباحث) : ( هذه الجماعة تطلق علي نفسها الجماعة القرآنية ، تمارس شعائرها الدينية في خلوة بحي الاندلس منطقة مايو . الجماعة تأخذ الكتاب (القرآن) كمصدر تشريعي وحيد دون الأخذ بالسنة ، لا يعملون بأقوال وافعال الرسول محمد ، يؤدون صلاة الجمعة في أربعة ركعات سراً ، وليس لديهم آذان ولا اقامة للصلاة ، وتكون الخطبة بعد الصلاة وليس قبلها. أما طريقة الوضوء فتكون بغسل الوجه واليدين والرجلين دون عدد ، ولا يعملون بالمضمضة والاستنشاق والاستنثار). وهذا هو (الإتهام!).

جميع (المتهمين) الـ (129) الذين ينتمون إلي مجموعة الهوسا الإثنية، لم ينكروا هذه (التهمة). إذن نحن لسنا امام (تهمة) إنما أمام أشخاص يمارسون طريقة مختلفة لأداء شعائرهم الدينية ، إذن نحن أمام (آخر مختلف) يجب إحترام حقه في أن يكون مختلفاً ، ولسنا أمام (متهم) تجب معاقبته واعادته إلي الطريق الصحيح. لكن قاضي المحكمة أمر بـ (إستتابتهم) جميعاً وتعليمهم (أصول الدين الإسلامي الصحيح) ومراقبتهم ، وهو بذلك انما يجبرهم علي التخلي عن (معتقداتهم) وتبني المعتقدات والممارسات الدينية التي يؤمن بها القاضي وغالبية المسلمين في السودان، أنه اجبار الأقليات علي ترك معتقداتها وتبني معتقدات الأغلبية!.  
وبحسب المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (والسودان طرف بهذا العهد) لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره. بحسب نص المادة (126) من القانون الجنائي السوداني ، فإن وصف المرتد يشمل أي شخص (يدعو الي التخلي عن عقيدة الإسلام أو يعلن على الملأ التخلي عن الإسلام عن طريق بيان صريح أو فعل قاطع.). وإذا وجد ت المحكمة أن الأشخاص المتهمين مذنبين بإرتكاب جريمة الردة ، فإنهم سيمنحوا طبقا لنص المادة (126) الفرصة للتوبة. وإذا فشلوا في إبداء التوبة فسيتم تطبيق العقوبة القصوى بشأنهم، وهي عقوبة الإعدام.

التهمة التي وجهتها المحكمة هي كما ذكرت (الردة) ولكن فيما بدا من جلسات المحكمة ومقابلاتي مع المتهمين فإنهم يمارسون تعبدهم بطريقتهم الخاصة . وهم ليسوا مرتدين بأية حال، وفقاً لتعريف المُشرّع السوداني لـ (الردة) ، او حتي وفقاً للتعريف اللغوي الذي يعني الرجوع أو الإرتداد عن الشئ !. وهذا لا يعني أنني أدين فعل (الردة) او استنكف مبدأ حرية الدين والعقيدة ، ولكن لأبين ان هؤلاء الـ 129 مواطناً ليسوا مرتدين ، إنما هم أهل مذهب مختلف!. وإمعاناً في إجبار (المتهمين) للتخلي عن معتقداتهم ، ووفقاً لإفادات المتحري : ( فقد احضرت الشرطة أربعة (علماء) من جامعة امدرمان الاسلامية ، وعقدت مناظرة بين الشيخ يحي وهو زعيم الجماعة (ووفقاً لمضابط المحكمة هو المتهم الاول) واتباعه من جانب وبين (علماء) جامعة امدرمان الاسلامية من جانب، واعلن الشيخ يحي جهله بكثير من الامور الدينية. وتم عقد محاضرة بمسجد رئاسة شرطة جبل اولياء بحضور جميع (المتهمين) . واعلن (المتهمون) توبتهم وعودتهم الي الله (بحسب اقوال المتحري).

الحق في حرية الدين /المعتقد :     
      
يقصد بالحق في حرية الدين أو المعتقد في إطار منظومة حقوق الإنسان حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من أفكار دينية أو غير دينية. قامت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في عام 1993، وهي لجنة تقوم بالإشراف على تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتتشكل من ثمانية عشر خبيراً يتم انتخابهم من قبل الدول الأطراف في العهد، بالإشارة إلى أن المقصود بالدين أو المعتقد ضمن يتمثل في (معتقدات في وجود إله، أو في عدم وجوده أو معتقدات ملحدة، بجانب الحق في عدم ممارسة أي دين أو معتقد).

إن الديانات والمعتقدات تجلب الأمل والسلوى إلى المليارات من الأفراد، كما أن لها تأثير على المساهمة في تحقيق السلام والمصالحة. إلا أنها من ناحية أخرى كانت مصدرا للتوتر والصراعات. هذا التعقيد، بجانب صعوبة تعريف الدين أو المعتقد ينعكسان في التاريخ النامي لحماية حرية الدين أو المعتقد في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان. إن الكفاح من أجل الحرية الدينية قائم منذ قرون؛ وقد أدى إلى كثير من الصراعات المفجعة.
وعلى الرغم من أن مثل هذه الصراعات مازالت قائمة إلا أنه يمكن القول بأن القرن العشرين قد شهد بعض التقدم حيث تم الإقرار ببعض المبادئ المشتركة الخاصة بحرية الديانة أو المعتقد ، علي المستوي العالمي.
وقد اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الديانة أو المعتقد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد عام 1948، حيث تنص المادة 18 منه على أن : لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره وقد تلى اعتماد هذا الإعلان محاولات عدة لوضع اتفاقية خاصة بالحق في حرية الدين والمعتقد إلا أن كافة تلك المحاولات قد باءت بالفشل.

ويرجع المهتمين ذلك إلي ان الموضوع يتسم بالتعقيد. كما أقر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966، بالحق في حرية الدين أو المعتقد وذلك من بين ما اقره به من حقوق وحريات.
وتنص المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أربع بنود بهذا الخصوص؛ وهي أن : لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة. ولا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره. ولا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية. هذا بجانب تعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة. وفي إطار تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان، خصصت اتفاقيات دولية ملزمة لتناول مادة واحدة أو أكثر من مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ولكن نظرا لتعقد الموضوع الذي تعالجه المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وللاعتبارات السياسية اللصيقة بموضوعها لم يصبح الموضوع الذي تعالجه هذه المادة محلا لاتفاقية دولية حتى الآن. وبعد عشرين سنة من مناقشات وكفاح وعمل شاق تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدون تصويت عام 1981 إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد . وإن كان إعلان عام 1981 يفتقر إلى الطبيعة الإلزامية ولا يتضمن النص على آلية للإشراف على تنفيذه إلا أنه مازال يعتبر أهم تقنين معاصر لمبدأ حرية الديانة والمعتقد.

اذن، ماجري بمحكمة جنايات حي النصر ، يتعبر انتهاكاً لحرية الدين والمعتقد وفقاً للعهد الودلي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي وقع وصادق عليه السودان منذ اكثر من 25 عاماً.

ــــــــــــــــــ

*أعتذر عن استخدام كلمة (متهمين) لوصف هذه الجماعة ولكن اعتمدت علي العبارات التي وردت بمضابط المحكمة لأبين مدي التمييز ضد الأقليات الدينية.
*استندت علي الكتيب الدراسي حول (حرية الدين أو المعتقد) الذي اعده مايكل روان، من مشروع تاندم ، ونشرته جامعة منيسوتا ، كمرجع لإعداد هذه الكتابة.

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

السودان : إغلاق 12 صحيفة وتشريد اكثر من 200 صحفي ومعاون إعلامي!





شهدت الفترة التي أعقبت استقلال جنوب السودان انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والحريات العامة بالجزء الشمالي من السودان ، وعلي وجه الخصوص تفاقمت بشكل مثير للقلق انتهاكات حرية الصحافة وحرية التعبير.
ودرجت الحكومة السودانية علي تكرار اعتداءاتها علي حرية الصحافة وحرية التعبير بدون مراعاة لإلتزاماتها الدولية لحماية حرية الصحافة وحق التعبير.
وتتفاوت انتهاكات الحريات الصحفية ما بين إغلاق الصحف نهائياً ، واغلاقها بشكل مؤقت ، أو حجزها بالمطابع بعد الفراغ من طباعتها ومصادرتها بعد الطبع.
وتأتي مسألة مصادرة الصحف وحجزها بالمطابع بعد الفراغ من طباعتها كأحد الأساليب التي تنتهجها الحكومة السودانية لتعطيل الصحف وتكبيدها خسائر مالية فادحة لتضطرها في آخر الأمر إلي التوقف من تلقاء نفسها تحت وطأة الضغوط الإقتصادية.
وعلي سبيل المثال ، في يومي 7 و 8 أغسطس، قامت قوة من جهاز الأمن والمخابرات بحجز صحيفة (الأحداث) اليومية بالمطبعة ومنعها من التوزيع، بدون إبداء اي اسباب لذلك المنع.
وفي 20 ، 21 ، 22 أغسطس ، حجزت سلطات الأمن الصحيفة اليومية ( الجريدة) بالمطبعة ، ومنعتها من التوزيع .
وفي يوم الأحد 4 سبتمبر ، حجز جهاز الأمن والمخابرات الوطني كافة النسخ المطبوعة من صحيفة (الميدان) بالمطبعة ومنع شركة التوزيع المتعاقدة مع الصحيفة من استلام النسخ المطبوعة منها وتوزيعها.
كما تم في نفس اليوم وبنفس السيناريو منع صحيفة ( الجريدة) من التوزيع وحجزها بالمطبعة بعد الفراغ من طباعتها مرة أخري.
وفي يوم الثلاثاء 6 سبتمبر ، قام جهاز الأمن بحجز صحيفة ( الميدان) بالمطبعة بعد الفراغ من طباعتها ومنعها من التوزيع للمرة الثانية في نفس الأسبوع.
وفي يوم الخميس 8 سبتمبر، تم حجز صحيفتي (الميدان) و(الصحافة) بالمطبعة وبعد الفراغ من طباعتهما ، وبذا تكون صحيفة الميدان قد غابت عن قراءها لأسبوع كامل لأنها تصدر ثلاث مرات في الأسبوع.

وتواصل مسلسل حجز صحيفة (الميدان) بالمطبعة بدون ابداء اية اسباب معقولة لذلك المنع الذي يتم خارج اطار القانون وتم حجزها بالمطبعة مرة أخري يوم الأحد 11 سبتمبر ، ويوم الثلاثاء 13 سبتمبر.
وفي يوم الثلاثاء 13 سبتمبر تم حجز صحيفة (أخبار اليوم) بالمطبعة ومنعها من التوزيع،وايضاً لم تبد القوة الأمنية التي منعتها من التوزيع اي أسباب لذلك.
وفي يوم الأثنين 12 سبتمبر أصدر المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية أمراً يقضي بإيقاف ستة صحف رياضية ، هي (حبيب البلد ) و (المشاهد) ، و(الزعيم) ، و( سوبر) ، و( المريخ) ، و(عالم النجوم).
وبعث بخطابات لست مؤسسات صحفية رياضية وأبلغها قراره بتعليق صدور الصحف التي تصدر عنها إلي حين استكمال إجراءات ترتيب أوضاعها الإدارية والمهنية. وقال الأمين العام للمجلس العبيد مروح للصحفيين إن المجلس سيبعث اليوم الثلاثاء بخطابات إنذار نهائي لثلاث شركات أخرى لترتييب أوضاعها الإدارية والمهنية.
وتسلمت إدارات الشركات التي تصدر الصحف الستة قرار المجلس. والشركات هي شركة صلوات التي تصدر صحيفة (حبيب البلد) ، وشركة دار البلاغة التي تصدر صحيفة (المشاهد) ، وشركة ينظرون التي تصدر صحيفة (الزعيم) ، وشركة المريخ التي تصدر صحيفة (المريخ) ، وشركة ضمان التي تصدر صحيفة (سوبر)، وشركة الباحة التي تصدر صحيفة ( عالم النجوم).
وكان المجلس القومي للصحافة والمطبوعات ( وهو مجلس حكومي يعين رئيس الجمهورية غالبية أعضاءه) قد أصدر قراراً يوم الجمعة 8 يوليو - عشية استقلال جنوب السودان - يقضي بإغلاق ستة صحف سياسية يومية ناطقة بالانجليزية والعربية.
الصحف الإنجليزية التي تم توقيفها هي : (خرطوم مونيتر ، سودان تريبون ، أدفوكيت ، جوبا بوست ، ذا ديموكراط) وصحيفة أجراس الحرية الناطقة بالعربية وذات الشهرة الواسعة.
وقال الأمين العام للمجلس في تصريح لموقع مقرب من جهاز الأمن ان الصحف تم توقيفها " اعتباراً من التاسع من يوليو الجاري على خلفية وجود مواطنين من دولة جنوب السودان ضمن الملاك والناشرين لهذه الصحف، وذلك إنفاذاً لنص المادة (28) من قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2004م."
مجلس الصحافة والمطبوعات هو هيئة حكومية وهو بحسب قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009 يقع مباشرة تحت رعاية وإشراف رئاسة الجمهورية وهي التي تخطره بالسياسات العامة
للدولة المقررة في إستراتيجياتها فيما يتعلق بمهنة الصحافة. ويقوم رئيس الجمهورية بتعيين مجلس الصحافة .
يختص المجلس بالإشراف على الأداء العام للمؤسسات والشركات الصحفية ودور النشر والمطابع ومراكز الخدمات ووكالات الأنباء ووكالات الإعلان ، ومراجعة أدائها المهني .
ويختص المجلس بحسب القانون (المعيب) بممارسة صلاحيات وسلطات واسعة تصل إلي حد ايقاف الصحف ويختص كذلك باصدار تراخيص اصدار الصحف.
12 صحيفة تم اغلاقها نهائياً بأسباب واهية ، وأربعة صحف يتم حجزها بالمطابع بدون ابداء اسباب لذلك المنع ما يدلل علي ضيق الحكومة السودانية بممارسة حرية التعبير ، واقدامها علي تحجيم دور الصحافة في البلاد التي تمر بمرحلة حرجة في تاريخها تحتاج الي مختلف الاصوات.
الضيف بحرية الصحافة يرده البعض الي سعي الحكومة السودانية إلي اعلان دستور اسلامي تريده ان يمر وسط تكتم وتعتيم شديدين...
ما نود ان نقوله هنا : علي المجتمع الدولي ونشطاء حرية التعبير في كل مكان شجب وادنة انتهاكات حرية الصحافة في السودان.

الأربعاء، 29 يونيو 2011

الملاحقات القضائية والتضييق ضد حرية الصحافة مازال مستمراً



أجلت محكمة جرائم النشر ، بمجمع محاكم الخرطوم شمال ،برئاسة القاضي مدثر الرشيد أجلت النظر في بلاغ جهاز الأمن ضد الكاتب الصحفي وأستاذ الإعلام بالجامعات السودانية ،الأستاذ فيصل محمد صالح، الي يوم 28 يوليو، بسبب غياب أحد أطراف البلاغ وهو رئيس تحرير صحيفة الأخبار التي نشرت عمود الاستاذ فيصل.العمود الذي طالب فيه بفتح تحقيق حول حادثة اغتصاب الفنانة التشكيلية صفية اسحق فبدلاُ من فتح التحقيق تم فتح بلاغ ضد فيصل وثماني صحفيين وصحفيات أخرين كتبوا حول هذه الحادثة. وفي القوت الذي تم فيه تأجيل بلاغ فيصل الي الشهر القادم، يمثل صباح اليوم الدكتور عمر القراي الكاتب الصحفي بصحيفة أجراس الحرية أمام ذات المحكمة في ذات القضية.وتمثل في نفس المحكمة يوم غد الخميس فاطمة غزالي الصحفية بصحيفة الجريدة والصحفي سعد الدين ابراهيم رئيس تحرير الصحيفة في نفس القضية ليواجها نفس الاتهامات.
النشر في قضية اغتصاب الفنانة التشكيلية صفية اسحق االتي ظهرت في مقطع فيديو علي اليوتيوب وقالت ان ثلاثة من افراد الأمن اعتقلوها واغتصبوها أصبح هاجساً بالنسبة للصحفيين والصحف في هذا البلد الذي يعاني من تدهور مريع في الحريات ،ويشهد قمعاً غير مسبوق لحرية التعبير والنشر والصحافة.وتقف جهات حكومية عديدة متفرجة علي هذا القمع بدون أن تحرك ساكناً.وكانت صحيفة أجراس الحرية قد قدمت سلسلة من الخطابات لمجلس الصحافة والمطبوعات بدون أن تجد رداًعلي أي من خطاباتها حول التعطيل المتعمد للصحيفة من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني. وكانت قوة من شعبة الاعلام بجهاز الأمن واظبت في الحضور الي المطبعة التي تطيع اجراس االحرية وتقوم بحجز الصحيفة بالمطبعة ومنعها من التوزيع. ومنذ مطلع هذا العام قام جهاز الامن والمخابرات الوطني بتعطيل أجراس الحرية تسعة مرات في : (20 يناير - و31يناير - و8 مارس – و6 أبريل – و7 أبريل – و10 يونيو – و21 يونيو – و26 يونيو) وفي كل مرة تتم فيها مصادرة الصحيفة لاتبدي الأجهزة الأمنية التي تصادرها اي أسباب ، وتتم هذه المصادرة بصورة غير قانونية ولامسنودة الي دستور. ولا يمكن تفسير مثل هذه الممارسة إلا بمفتاح واحد وهو ان الأجهزة الأمنية التي تقوم بمنع الصحيفة من التوزيع بعد مصادرتها تريد ان تكبد الصحيفة خسائر مادية فادحة ، وتضطرها إلي إغلاق ابوابها او فتحها نحو مزادات بيع الضمير. ويجدر بنا ان نشير هنا الي ان تكلفة الخسائر التي تكبتدها اجراس الحرية في هذا العام فقط بلغت 88 مليون جنيه.لكنها مازالت صامدة.
ولم تكن أجراس الحرية وحدها في هذا المنحي ، فقد وقع هذا العسف من قبل علي جميع الصحف الناقدة، فالميدان تعرضت ومازالت تتعرض لمزيد من الضغوط والقيود ، فقد اعتقل جميع صحفييها وموظفيها في مطلع هذا العام في غارة أمنية علي مكاتب الصحيفة.وتم من قبل اغلاق صحيفة رأي الشعب ومصادرة ممتلكاتها. ويبدو انه الرعب من ممارسة حق التعبير.
مصادرة الصحف واغلاقها تتم بدون إبداء اسباب واضحة ، وبدون مسوغ قانوني، وفي جميع الحالات لم يكلف افراد الامن انفسهم عناء التوضيح للصحيفة وقراءها أسباب منع الصحيفة من التوزيع وحجزها بالمطبعة ، والتفسير الوحيد في حالة اجراس الحرية الأخيرة هي محاولة (الغتغتة) والتعتيم والتضليل الاعلامي لما يحدث في ولاية جنوب كردفان .

حجز الصحف بالمطابع ، ومنعها من التوزيع يمثل انتهاكاً صارخاً للحق في حرية النشر والتعبير وحرية إبداء الرأي،وهذه الحريات مكفولة في جميع المواثيق والعهود الدولية ،وأكد عليها الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لسنة 2005م، ومعروف أيضاً ان السودان دولة طرف في العهد الدولي للحقوق المدنية واالسياسية ، والميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب وبموجب هاتين الوثيقتين الدوليتين تقع علي السودان التزامات دولية بحماية الحق في حرية الصحافة و النشر وحرية الرأي والتعبير.

والجدير بالذكر هنا ان النظام القانوني في السودان لايحمي حرية الصحافة والتعبير ولاتوجد ضمانات قانونية كافية لممارسة حرية التعبير،ويواجه ثمانية صحافيين حالياً في السودان اتهامات تتعلق بإشانة السمعة والنشر الضار.و(إشانة السمعة) اتهام فضفاض وبدون تعريف في القانون الجنائي السوداني.
وكانت محكمة جنايات الخرطوم شمال برئاسة القاضي مدثر الرشيد قد أرجأت اليوم 21 يونيو محاكمة الكاتب الصحفيين عبدالله الشيخ، والدكتور عمر القراي إلي التاسع والعشرين من يونيو الجاري. الشيخ هو رئيس تحرير اجراس الحرية السابق ، والقراي وهو كاتب مقال بصحيفة أجراس الحرية يواجهان اتهامات بالنشر الكاذب وإشانة السمعة بسبب بلاغ دونه ضدهما جهاز الأمن بسبب نشر الكاتب مقالاً انتقد فيه جهاز الامن عندما ظهرت الناشطة صفية إسحق في وسائل الاعلام في شهر مارس الماضي وقالت انها تعرضت للاعتقال والاغتصاب من قبل ثلاثة افراد من جهاز الامن ، ودعا القراي في مقاله الي فتح تحقيق حول القضية ،وبدلا من فتح التحقيق فتح الأمن بلاغاً ضد القراي ورئيس تحرير اجراس الحرية.. بينما يمثل في ذات المحكمة يوم28يوينو الجاري كاتب العمود بصحيفة الأخبار واستاذ الاعلام بالجامعات السودانية : فيصل محمد صالح حول ذات القضية، فيما تمثل الصحفية بصحيفة الجريدة : فاطمه غزالي والصحفي سعد الدين ابراهيم رئيس تحرير صحيفة الجريدة في ذات المحكمة الي يوم 26 يونيو الجاري .وفي هذا اليوم الثلاثاء 21 يونيو ايضاً، ارجأت محكمة جنايات الخرطوم وسط برئاسة القاضي عبدالمنعم سليم محمد علي ، محاكمة الصحفي بصحيفة (الصحافة)جعفرالسبكي الي يوم 12 يوليو القادم.
وكانت السلطات الأمنية قد اعتقلت السبكي يوم 3 نوفمبر 2010م، وظل طيلة السبعة أشهر الماضية في الحبس بدون أمر قضائي او توجيه تهمة، ودونت مؤخراً في مواجهته بلاغات تتعلق بتقويض النظام الدستوري، وهي تهمة تصل عقوبها الي الاعدام.
وكانت الصحفية امل هباني قد مثلت امام محكمة جنايات الخرطوم شمال يوم الخميس الماضي بتهمة اشانة السمعة وتمت تبرئتها من التهمة إلا انها تواجه بلاغات اخري بذات التهمة (اشانة السمعة). هباني تم فصلها من عملها بعد أن خضعت الصحيفة التي تعمل بها لضغوط أمنية.
وفي سياق متصل مثل امام محكمة جنايات الخرطوم شمال يوم الاربعاء 1 يونيو، الصحفي بصحيفة الجريدة :حسن اسحق وتم تأجيل النظر في قضيته إلي يوم 2 أغسطس القادم . حسن اسحق كان قد تم اعتقاله وتعذيبه بواسطة جهاز الأمن في يوم 8 أبريل الماضي . تم اعتقال حسن أثناء عمله حيث كان يقوم بتغطية ندوة أقامها حزب المؤتمر السوداني وفي أثناء الندوة كان الامن قد اعتقل جميع الحاضرين بما فيهم الصحفيين الذين يقومون بأداء عملهم . اعتقل حسن وتم احتجازه بأحدي مكاتب الأمن حيث تعرض للضرب والمعاملة القاسية من قبل معتقليه، ثم تم تحويله إلي قسم شرطة الخرطوم بحري حيث قضي ليله كاملة هنالك بمعزل عن العالم الخارجي ودون ان يبلغ ذويه او صحيفته.
وقامت جهات ومنظمات دولية اقليمية مهتمة بحرية التعبير وحرية الصحافة بإدانة هذا السلوك المتعسف ضد الصحفيين السودانيين. وأعلنت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ادانتها لمصادرة أجراس الحرية من قبل جهاز الامن والمخابرات الوطني ـ كما أعلنت ادانتها للملاحقات القضائية التي يتعرض لها الصحفيون في االسودان ، وقال الشبكة العربية في بيان لها صدر مطلع هذا الاسبوع ان وضع حرية الصحافة في السودان اصبح مقلق للغاية ، ففضلاً عم المحاكمات التي اصبحت سيف يهدد الصحفيين مع كل حرف يكتبونه نجد ان جهاز الامن والمخابرات الوطني يتوجه للمطابع ليلاً وينتظر حتي تنتهي من طباعة الصحف ثم يقرر بعد ذلك منعها من التوزيع ممايكبد ادارات الصحف خسائر مادية كبيرة جداً تضاف لمعوقات العمل الصحفي الأحري التي تواجهها داخل االسودان.
ودعت الشبكة كافة المهتمين بحرية الصحافة في العالم بتسليط الضوء علي مايحدث من انتهاكات للحريات الصحفية بالسودان، وطالبت بتقديم المسئولين عن هذه الانتهاكات للمحاكمة والمحاسبة.
كما دعا المعهد الدولي الصحافة في بيان صحفي مطلع هذا لاسبوع ،دعا الحكومة السودانية الي التوقف عن مضايقات الصحفيين، والكف عن التضييق علي الصحف الناقدة .
الجدير بالذكر ان جهاز الامن هو الطرف الشاكي في جميع البلاغات الموجهه ضد الصحفيين الثمانية الذين يواجهون عقوبات مختلفة تترواح بين السجن والاعدام. غير ان هذا الجهاز الذي يشكو الصحفيين بتهمة اشانة السمعة هو في الاساس ذو سمعة سيئة ، وقد فقد عدد من النشطاء حياتهم داخل معتقلات الأمن بينما وثقت العديد من المنظمات الحقوقية حالات لاتحصي من التعذيب الوحشي داخل حراسات جهاز الأمن سئ السمعة الذي يقاضي الصحفيين حالياُ بتهمة اشانة السمعة.
يواجه الصحفيون في السودان العديد من اشكال الانتهاكات والقيود المفروضة علي حريتهم وحركتهم. وفي هذا العام فقط تم اعتقال اكثر من 30 صحفياً وصحفية في السودان أثناء القيام بواجبهم المهني. فإلي متي ياتري يستمر هذا القمع؟

الاثنين، 17 يناير 2011

نهاية الاستفتاء .. بداية اختبار التعايش

أغلقت مراكز التصويت لاستفتاء جنوب السودان يوم السبت أبوابها معلنة نهاية فترة التصويت لاستفتاء جنوب السودان وستعقب ذلك مرحلة اخري وأخيرة هي مرحلة اعلان النتيجة ، التي بات في حكم المؤكد انها ستفضي الي انفصال / استقلال جنوب السودان.
وبغض النظر عن ما ستفضي إليه نتيجة الاستفتاء ، أدعو في هذا المقام إلي ان يتقبل كافة الأطراف المعنيين بها ، هذه النتيجة ، علي أمل أن تتمكن شعوب السودان من خلق أرضية تعايش جديدة تبني عليها مستقبلها ومستقبل المنطقة .
ومع قبول نتيجة الاستفتاء يجب أيضاً علي الحزب الحاكم والمسئولين بالخرطوم أن يضمنوا سلامة وحقوق الجنوبيين الذين فضلوا العيش بشمال السودان كما يجب علي الحركة الشعبية ومسئوليها في جوبا أن يضمنوا سلامة وحقوق الشماليين الذين فضلوا البقاء بالجنوب.
التصريحات الصادرة عن المسئولين بحكومة جنوب السودان ما زالت ايجابية ، وقد أكد معظم المسئولين بالجنوب علي حماية وضمان حقوق وسلامة االشماليين بالجنوب.
لكن التصريحات الصادرة عن المسئولين بحكومة الخرطوم في غالبها عدائية ولا تنم عن روح ايجابية تقبل التعايش السلمي وقبول الآخر ، اوتقبل بالاختلاف. تصريحات ذات طابع اقصائي ومعادي لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
المؤسف ان التصريحات الصادرة من الخرطوم ، صدرت من مسئولين كبار بالدولة ، فمثلاُ ما قاله الرئيس في خطابه أمس الأول بمنطقة العليفون بان (الجنوب كان عبئاً علي السودان) تنم عن روح سلبية ولا تشبه حديث صادر عن رئيس دولة ما زال الجنوب جزءاً منها. عندما سمعت تلك التصريحات السلبية شعرت وكأن البشير هو ليس رئيساً للسودان بجنوبه وشماله.
التصريح الآخر الأكثر سلبية وعدائية هو ما أدلت به وزارة الداخلية الاسبوع الماضي حيث كشفت الوزارة الداخلية عن تعديلات جديدة في قانون الجوازات .وقال الفريق آدم دليل مساعد المدير العام لهيئة الجوازات والسجل المدني للصحف : " إن التعديلات على قانون الجوازات تأتي لمواكبة المستجدات العالمية، خاصةً في ظل الوجود الأجنبي والجريمة الإلكترونية، مشيراً الى إضافة عدد من المواد وحذف بعض المواد لتواكب القوانين العالمية حسب الاتفاقيات، وقال دليل إن التعديلات المطلوبة تم عرضها على اللجنة الفنية توطئة لتقديمها لمجلس الوزراء خلال الأسابيع المقبلة لحسم الجدل حول تقنين الوجود الأجنبي بالبلاد، وأضاف أن إدارته وضعت خطط ضبط الوجود الأجنبي غير الشرعي، بجانب توفيق وضع الجنوبيين بعد الاستفتاء في حال الانفصال بمعاملتهم كأجانب"!.
السيد آدم دليل يسعي لتغيير قانون الجوازات ليتواكب مع توجهات وزارته في ابعاد الجنوبيين من الشمال ومعاملتهم كأجانب !! هل السيد دليل لايدري بأن القانون الدولي وقانون الجنسية السوداني يعطي الجنوبيين وغيرهم الحق في الجنسية؟ . وهل يريد السيد دليل ان يتكون في السودان قطلع عريض من (البدون) – أي البشر الذين لايتمتعون بحق الجنسية ؟؟ ، وهل يدري سيادته ان حق الجنسية مكفول بالقانون الدولي لحقوق الإنسان ؟!.
التصريحات العدائية والسلبية (ما حبابا ) ويكفي شعوب السودان ما حاق بهم من فجيعة تقسيم كيانهم ووجدانهم الي جزئين.. ونأمل ان نسمع المزيد من التصريحات والخطوات الايجابية لدعم التعايش السلمي؛ ويكفي بلادنا حروباً ومآسي.

الأحد، 2 يناير 2011

من أجل استفتاء سِلمي

أنا أدعم حق تقرير مصير جنوب السودان ، واقبل نتيجته !