السبت، 24 سبتمبر 2011

قراءة في واقع حرية الإعتقاد وحقوق الأقليات الدينية في السودان

علي خلفية اتهام 129 مواطناً بالردة

قراءة في واقع حرية الإعتقاد وحقوق الأقليات الدينية في السودان 

تابعتُ باهتمام بالغ علي مدي ثلاث جلسات عقدت بتاريخ (14 – 19 – 22 سبتمبر 2011م) بمحكمة جنايات حي النصر – مايو ، محاكمة 129 متهماً بـ (الردة) ، أمام القاضي اسامة احمد عبدالله. الإتهام الرئيسي الذي تم توجيهه للمتهمين بعد الفراغ من التحري هو المادة (126) من القانون الجنائي السوداني، التي تتعلق بالردة. وبحسب متابعتي لمجريات المحكمة فقد كان جميع المتهمين ينطقون بالشهادتين أمام القاضي الذي يواصل في سماعه وإجراءاته تحت طائلة اتهام (الردة)! دون اكتراث لعشرات الـشهادات التي تم نطقها أمامه ، كان الامر محيراً ، أجريت العديد من المقابلات مع المتهمين، وابلغني طه (إسم غير حقيقي) : ( انه ومجموعته يؤمنون بالله ، ولكنهم غير مقتنعين بالسنة) ،قال لي: ( أنا قرأت صحيح البخاري، وأعرف السنة تماماً ولكني غير مقتنع بذلك)، وهنا بدأت تدور برأسي الاسئلة الموجعة حول حرية الإعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية في هذا البلد.

يقول الشاكي (وهو رقيب بشرطة المباحث) : ( هذه الجماعة تطلق علي نفسها الجماعة القرآنية ، تمارس شعائرها الدينية في خلوة بحي الاندلس منطقة مايو . الجماعة تأخذ الكتاب (القرآن) كمصدر تشريعي وحيد دون الأخذ بالسنة ، لا يعملون بأقوال وافعال الرسول محمد ، يؤدون صلاة الجمعة في أربعة ركعات سراً ، وليس لديهم آذان ولا اقامة للصلاة ، وتكون الخطبة بعد الصلاة وليس قبلها. أما طريقة الوضوء فتكون بغسل الوجه واليدين والرجلين دون عدد ، ولا يعملون بالمضمضة والاستنشاق والاستنثار). وهذا هو (الإتهام!).

جميع (المتهمين) الـ (129) الذين ينتمون إلي مجموعة الهوسا الإثنية، لم ينكروا هذه (التهمة). إذن نحن لسنا امام (تهمة) إنما أمام أشخاص يمارسون طريقة مختلفة لأداء شعائرهم الدينية ، إذن نحن أمام (آخر مختلف) يجب إحترام حقه في أن يكون مختلفاً ، ولسنا أمام (متهم) تجب معاقبته واعادته إلي الطريق الصحيح. لكن قاضي المحكمة أمر بـ (إستتابتهم) جميعاً وتعليمهم (أصول الدين الإسلامي الصحيح) ومراقبتهم ، وهو بذلك انما يجبرهم علي التخلي عن (معتقداتهم) وتبني المعتقدات والممارسات الدينية التي يؤمن بها القاضي وغالبية المسلمين في السودان، أنه اجبار الأقليات علي ترك معتقداتها وتبني معتقدات الأغلبية!.  
وبحسب المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (والسودان طرف بهذا العهد) لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره. بحسب نص المادة (126) من القانون الجنائي السوداني ، فإن وصف المرتد يشمل أي شخص (يدعو الي التخلي عن عقيدة الإسلام أو يعلن على الملأ التخلي عن الإسلام عن طريق بيان صريح أو فعل قاطع.). وإذا وجد ت المحكمة أن الأشخاص المتهمين مذنبين بإرتكاب جريمة الردة ، فإنهم سيمنحوا طبقا لنص المادة (126) الفرصة للتوبة. وإذا فشلوا في إبداء التوبة فسيتم تطبيق العقوبة القصوى بشأنهم، وهي عقوبة الإعدام.

التهمة التي وجهتها المحكمة هي كما ذكرت (الردة) ولكن فيما بدا من جلسات المحكمة ومقابلاتي مع المتهمين فإنهم يمارسون تعبدهم بطريقتهم الخاصة . وهم ليسوا مرتدين بأية حال، وفقاً لتعريف المُشرّع السوداني لـ (الردة) ، او حتي وفقاً للتعريف اللغوي الذي يعني الرجوع أو الإرتداد عن الشئ !. وهذا لا يعني أنني أدين فعل (الردة) او استنكف مبدأ حرية الدين والعقيدة ، ولكن لأبين ان هؤلاء الـ 129 مواطناً ليسوا مرتدين ، إنما هم أهل مذهب مختلف!. وإمعاناً في إجبار (المتهمين) للتخلي عن معتقداتهم ، ووفقاً لإفادات المتحري : ( فقد احضرت الشرطة أربعة (علماء) من جامعة امدرمان الاسلامية ، وعقدت مناظرة بين الشيخ يحي وهو زعيم الجماعة (ووفقاً لمضابط المحكمة هو المتهم الاول) واتباعه من جانب وبين (علماء) جامعة امدرمان الاسلامية من جانب، واعلن الشيخ يحي جهله بكثير من الامور الدينية. وتم عقد محاضرة بمسجد رئاسة شرطة جبل اولياء بحضور جميع (المتهمين) . واعلن (المتهمون) توبتهم وعودتهم الي الله (بحسب اقوال المتحري).

الحق في حرية الدين /المعتقد :     
      
يقصد بالحق في حرية الدين أو المعتقد في إطار منظومة حقوق الإنسان حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من أفكار دينية أو غير دينية. قامت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في عام 1993، وهي لجنة تقوم بالإشراف على تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتتشكل من ثمانية عشر خبيراً يتم انتخابهم من قبل الدول الأطراف في العهد، بالإشارة إلى أن المقصود بالدين أو المعتقد ضمن يتمثل في (معتقدات في وجود إله، أو في عدم وجوده أو معتقدات ملحدة، بجانب الحق في عدم ممارسة أي دين أو معتقد).

إن الديانات والمعتقدات تجلب الأمل والسلوى إلى المليارات من الأفراد، كما أن لها تأثير على المساهمة في تحقيق السلام والمصالحة. إلا أنها من ناحية أخرى كانت مصدرا للتوتر والصراعات. هذا التعقيد، بجانب صعوبة تعريف الدين أو المعتقد ينعكسان في التاريخ النامي لحماية حرية الدين أو المعتقد في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان. إن الكفاح من أجل الحرية الدينية قائم منذ قرون؛ وقد أدى إلى كثير من الصراعات المفجعة.
وعلى الرغم من أن مثل هذه الصراعات مازالت قائمة إلا أنه يمكن القول بأن القرن العشرين قد شهد بعض التقدم حيث تم الإقرار ببعض المبادئ المشتركة الخاصة بحرية الديانة أو المعتقد ، علي المستوي العالمي.
وقد اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الديانة أو المعتقد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد عام 1948، حيث تنص المادة 18 منه على أن : لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره وقد تلى اعتماد هذا الإعلان محاولات عدة لوضع اتفاقية خاصة بالحق في حرية الدين والمعتقد إلا أن كافة تلك المحاولات قد باءت بالفشل.

ويرجع المهتمين ذلك إلي ان الموضوع يتسم بالتعقيد. كما أقر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966، بالحق في حرية الدين أو المعتقد وذلك من بين ما اقره به من حقوق وحريات.
وتنص المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أربع بنود بهذا الخصوص؛ وهي أن : لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة. ولا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره. ولا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية. هذا بجانب تعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة. وفي إطار تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان، خصصت اتفاقيات دولية ملزمة لتناول مادة واحدة أو أكثر من مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ولكن نظرا لتعقد الموضوع الذي تعالجه المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وللاعتبارات السياسية اللصيقة بموضوعها لم يصبح الموضوع الذي تعالجه هذه المادة محلا لاتفاقية دولية حتى الآن. وبعد عشرين سنة من مناقشات وكفاح وعمل شاق تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدون تصويت عام 1981 إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد . وإن كان إعلان عام 1981 يفتقر إلى الطبيعة الإلزامية ولا يتضمن النص على آلية للإشراف على تنفيذه إلا أنه مازال يعتبر أهم تقنين معاصر لمبدأ حرية الديانة والمعتقد.

اذن، ماجري بمحكمة جنايات حي النصر ، يتعبر انتهاكاً لحرية الدين والمعتقد وفقاً للعهد الودلي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي وقع وصادق عليه السودان منذ اكثر من 25 عاماً.

ــــــــــــــــــ

*أعتذر عن استخدام كلمة (متهمين) لوصف هذه الجماعة ولكن اعتمدت علي العبارات التي وردت بمضابط المحكمة لأبين مدي التمييز ضد الأقليات الدينية.
*استندت علي الكتيب الدراسي حول (حرية الدين أو المعتقد) الذي اعده مايكل روان، من مشروع تاندم ، ونشرته جامعة منيسوتا ، كمرجع لإعداد هذه الكتابة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق