علي الرغم تعهدات الدولة المتكررة بالالتزام بوقف العنف ضد المرأة ، إلا ان العنف ضد النساء والفتيات وتعريضهن للاذي ظل متواصل بطريقة متواترة وتتصاعد بين الحين والآخر.. ويتخذ العنف ضد النساء العديد من الاشكال ، فبجانب العنف من المجتمع ، يتبدي العنف من الدولة والجهات الرسمية، ويبقي العنف الموجه ضد النساء وقهرهن عن طريق القوانين والتشريعات هو الأسوأ في مجتمعنا ، وقبل ان نفيق مع صدمة اسقاط المادة (13 ) من قانون الطفل التي تحرم وتجرم ختان الإناث ، دخلنا في صدمة المادة (152) من القانون الجنائي التي تدين النساء والفتيات لمجرد ارتدائهن لملابس لا (تعجب) رجال الشرطة.
في سياق الحديث عن (ظاهرة) العنف المنظم ضد النساء من قبل الجهات الرسمية ، يأتي ذكر الحادثة الاشهر هذه الايام ، وهو قرار احالة الصحفية لبني احمد حسين ، صاحبة العمود الشهير (كلام رجال ) ، لمحكمة النظام العام بالسجانة وسط بتهمة إرتداء ملابس (تخدش الحياء والذوق) حيث رأت الشرطة القائمة على تنفيذ قانون النظام العام في ملابس (لبنى) خطراٌ على المجتمع وقيمه السمحة !! .. والعقوبة لهذه الجريمة هى الجلد 40 جلدة وبشكل علني وذلك وفقاً لنص المادة (152) من القانون الجنائي لسنة 1991 بتهمة (إرتداء ملابس مُضايقة للشعور العام).
و يُعد قانون النظام العام من أشد القوانين تمييزا ضد المرأة السودانية لانتهاكه حريات أساسية من حق المواطن التمتع بها.وقد استهدف هذا القانون المرأة العاملة والطالبة بشكل خاص، وكأنه قد سن لاضطهادهن وإذلالهن وتقييد حريتهن وعزلهن عن المشاركة فى الحياة العامة .
علي خلفية هذا القرار نظمت مجموعة من الناشطات النسويات وقفة تضامنية مع الكاتبة الصحفية لبني أحمد حسين ،امس , بمقر صحيفة أجراس الحرية ، ضد قرار احالتها للمحاكمة ، شارك في الوقفة ناشطين بالمجتمع المدني وسياسيين وحقوقيين وقانونيين.
وقد تضامنت مع لبني جهات دولية عديدة من بينها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان التي انتقدت توجيه التهمة للُبني وطالبت الحكومة السودانية بوقف المحاكمة.
وطالبت الشبكة المنظمات الدولية المهتمة بحرية الصحافة والمدافعة عن حقوق المرأة بالاحتشاد خلف لبنى لوقف هذه المحاكمة التى تنتهك كافة المواثيق الدولية التى تدافع عن حرية المرأة ، وقالت : ان الحكومة السودانية تنتقم من معارضيها بشتى السبل وتستخدم القوانين سيئة السمعة للانتقام منهم .
وسجل الجميع أشادتهم بجرأة وشجاعة الصحفية لبني التى لم تهتز او تخاف من القرار بل قامت بطبع (400 ) كرت دعوة لكافة الإعلاميين والصحفيين لحضور جلسة محاكمتها وفى حال اتخاذ قرار بالجلد تدعوهم أيضا إلى حضور تنفيذه.
وتكرر في السنوات الأخيرة مداهمة السلطات لحفلات وتجمعات وأماكن عامة يُزعم فيها ارتداء ملابس فاضحة ,وقد حُكم علي آلاف الفتيات والنساء بالجلد والسجن والغرامة جراء ارتداء ملابس تزعم الشرطة أنها فاضحة ومُضايقة للشعور العام .
والغريب في الأمر ان ضابط الشرطة الذي يقوم بالتحقيق مع المتهمات بلبس الملابس الفاضحة يطلب من كل فتاة بعد المثول أمامه أن ترفع يديها وتستدير استدارة كاملة أمامه وبعد ان يُمعن النظر والتدقيق في تفاصيل جسدها بالكامل من الخلف والامام يصدر حُكمه بعد ذلك ان كان الزي فاضحاً أم لا !! .. ومن ثم يحيلهن لمحكمة النظام العام التي تقوم بدورها بتنفيذ العقوبات التي تتراوح ما بين الجلد والسجن والغرامة.
ووصف قانونيون هذ النوع من المحاكمات بانها جائرة لانها (ايجازية) ولا تعطي المتهمة الحق في الدفاع عن نفسها أو اخطار محامي للدفاع عنها.
ان اختيار الإنسان لملبسه هو جزء لا يتجزأ من حرية التعبير والحق في الخصوصية. وهذه الحقوق واردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعكس مبادئ القانون الدولي . وأي تدخل من الدولة في هذه الحقوق يجب ألا يكون إلا بناء على قانون واضح ويسهل الاطلاع عليه.
ويقول ناشطون : ان القبض على الأفراد واتهامهم لمجرد أن الشرطة ترى أن مظهرهم غير مقبول هي ضربة في صميم حرية الإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق