الجمعة، 23 يناير 2009

شكوي من صحيفة الميدان لمجلس الصحافة ، ضد الرقابة الأمنية

السيد رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية
تحية واحتراما
الموضوع/ الرقابة الأمنية القبلية علي صحيفة الميدان
نشير لشكاوينا وملاحظاتنا العديدة لكم آخرها بتاريخ 1/4/2008 بخصوص رفضنا للرقابة القبلية التي يمارسها جهاز الأمن والمخابرات علي الصحف .. ونؤكد بأن الرقابة القبلية ما زالت تمارس من قبل هذه الجهة بل زادت حدتها علي صحيفة الميدان بشكل خاص.. فقد أصبح عنصر الأمن المكلف بالرقابة علي صحيفة الميدان يتدخل باستمرار وبنهج ثابت ومتحامل خلال الشهور الماضية وحتي تاريخه وذلك بحجب العديد من المواد بحجة أن النشر فيها محظور في حين أن أغلبها يتم نشره في صحف أخري. ووصل به الأمر لدرجة حذف كلمة الميدان وهي تمثل رأي الحزب في الأحداث وأكثر من ذلك يصر علي حجب ترويسة الأعمدة التي يرفض نشر مادتها.. في حين أن الوضع في الصحف الاخري بخلاف ذلك.. ونرفق لكم بعض الأدلة علي ذلك. نكرر احتجاجنا علي هذا التدخل الأمني المتحامل والانتقائي ضد صحيفة الميدان وهو تدخل يمثل انتهاكاً صارخاً لحقنا في حرية النشر والتعبير الذي كفله الدستور الانتقالي كما كفلته كل العهود والمواثيق الدولية. إننا نتطلع بأن يضطلع مجلسكم الموقر بالدور المناط به في حماية حرية الصحافة والتعبير كما جاء بقانون الصحافة والمطبوعات للعام 2004. ونحتفظ بحقنا في اتخاذ كافة الإجراءات لحماية حقوقنا.
وشكراً التجاني الطيب بابكر رئيس التحرير
صورة إلي :
الأحزاب السياسية :
الصحف ووكالات الأنباء المحلية والعالمية والفضائيات.
: إتحاد الصحفيين العالمي. :اتحاد الصحفيين العرب.
: اتحاد الصحفيين الأفارقة.
:اتحاد الصحفيين السودانيين.
:منظمات المجتمع المدني.

الخميس، 22 يناير 2009

بختم الدولة لا حوله !!


جريمة اغتيال الشهيد معتصم حامد أبو القاسم (أبو العاص) تعتبر بكل المقاييس نقلة (نوعية!!) للصراع داخل الجامعات السودانية وتحولها من ساحات وعي إلي ساحات وغي ومعارك وقتال ،أصبحت فيها مقارعة الحجة بالخنجر،والرأي بالسيخة والطوق.فالحادثة خططت لها ودبرتها ونفذتها عقول من خارج سور الجامعة بل وتورط في في الجريمة – حسب إفادات الشهود، واعترافات المتهمين أنفسهم أمام المحكمة – مسئولين في قطاع طلاب المؤتمر الوطني بولاية الجزيرة .وقد اعترفت قيادة المؤتمر الوطني بأن القاتل ينتمي حزبهم. والأكثر مرارة ان القاتل (ساتي محمد محجوب/32سنة) بعد أن أكمل تنفيذ جريمته تم إيواءه والتستر عليه داخل دار حزب المؤتمر الوطني بالحصاحيصا وهناك أخفي أداة جريمته البشعة ،ومن هناك تم تهريبه الي كسلا بواسطة عربات حكومية تتبع لجهات نافذة في الدولة.
المجرمون الثلاثة الذين أدانتهم المحكمة تفوق أعمارهم الثلاثين عاماً ،وينتمون جميعهم إلي حزب المؤتمر الوطني ،اثنان منهم موظفين بقطاع طلابه والآخر سائق عربة حكومية ماركة جياد تتبع لحكومة الولاية؛والمتهم الرابع الذي برأته المحكمة أيضا موظف في قطاع طلاب المؤتمر الوطني .. وهناك خمسة عشر متهماً ضالعين في الجريمة سواءً بالتستر أو الإيواء أو الاشتراك أو التنفيذ أو التحريض وردت أسماءهم ضمن يومية التحري و لم يتم القبض عليهم إلي الآن من بينهم حرس جامعي ! وموظفين تابعين لقوات نظامية وأجهزة سلطة وقليلهم طلاب ! وهذا ما يجعلنا نتفق مع الجبهة الديمقراطية فيما ذهبت إليه بقولها إن معركتها ليست مع الطلاب بل مع النظام ،وهذا ما يجعلنا نقول بملء الفم إن هذه الدولة دولة غير مسئولة ولا تعرف الاحترام ؛ فكيف تضع إمكاناتها وعتادها ومالها تحت تصرف صبية لا يهمهم إزهاق أرواح الأبرياء؟ ، وهذا صنف من صنوف الفساد المستشري في مفاصل الدولة وواجبنا جميعاً الوقوف ضده ومحاربته بعنف وصلابة.وفي يقيني يمكن لحركة الطلبة أن تقف في وجهه لكنها تحتاج إلي اصطفاف كل القوي الديمقراطية والمحبة للسلام إلي جانبها.
وهذا ما يجعلنا ننتقد بضراوة دولة الحزب الواحد.
الطعنة في جسد أبي العاص النحيل الذي لم يكمل العشرين ربيعاً بعد، كانت طعنة في خاصرة القضاء العادل والنزيه وطعنة في قلب استقلال القضاء، وقد كشفت محاكمة قاتلي ابو العاص ذلك وبجلاء.
إن ما أسفرت عنه محاكمة المجرمين التي تمت الأسبوع الماضي زادت الغصة في الحلوق والغبن في القلوب، وجعلتنا نتيقن بان النظام القضائي والعدلي في السودان يتدحرج صوب هوة سحيقة لا تنتشله منها إلا يد العدالة الدولية.
ما نقوله أخيراً ؛ وبلا مزيد من الأسى:
* يجب إنصاف أولياء دم الشهيد أبو العاص بالقصاص، فطالما توفرت كافة الأدلة ودعمها تقرير الطبيب الشرعي واعتراف القاتل والحيثيات جميعها انصبت كلها في اتجاه إن الجاني كان يعلم أن الموت نتيجة حتمية لفعله ،وهذا ما يضعه تحت طائلة المادة 130 القتل العمد وهو ما يجب أن يعاقب عليه بالقصاص ولا سواه.
* يجب تقديم كل من اشترك في هذه الجريمة - سواءً بالتستر أو الإيواء أو دفع الأموال للمجرمين أو إصدار التعليمات والأوامر – إلي قضاء عادل ونزيه ومستقل.

مؤسسات قمع المرأة ( الدين ، القانون )

الوضعية الدُّونية ,والإضطهاد الذى تُعانى منه المرأة ,والقهرالواقع عليها,والعنف,والتمييز ضدها في الاوساط المُتَدَيِنة أو في المُجتمعات المُتدينةعمومأً,وخصوصاً بالدين الاسلامى ,تجعلنا نطرح سُؤالاً مفتاحياً للنِقاش حول هذه القضايا,والسُؤال هو:هل الدِّين يضطهد المرأة , ويجعلها في وضع دُونى ومُتخلِّف؟ وهل الدِّيانات عموماً, والدِّين الاسلامى خصوصاً , تقهر النساء ؟ وتُبيح العُنف ضِدَّهُن؟ .كمدخل للنقاش وإجابة هذه الأسئلة ينطرح سؤال آخر هو :هل هناك دين - أى دين- يدعو إلى أن يتعالى أحد مُعتنِقِيه أو المُؤمنين به على مُعتنِقِين أو مُؤمنين آخرين بذات الدِّين؟. وهل هناك دين ,أى دين, يدعو إلى الظُلم ,والقهر , وعدم المُساواة بين معتنقيه؟. الطبيعى والمنطقى أن تكون الإجابة بـــ ( لا), إذا كان مُعتنقى هذه الدِّيانة من العُقلاء, والأسوياء نفسياً ..مجموع هذه التساؤلات لا نهدف من وراءها إلى الطعن فى دين محدد, أوالإستخفاف بالمؤمنين بأى ديانة ,بقدر ما هى تحفيز للبحث حول أسباب إضطهاد المرأة فى الأوساط المتشددة دينياً,خصوصاً المسلمين,.إذا سلمنا جدلاً إن الدين الاسلامى أعطى المرأة حقوقها - حسب إدعاءات البعض- ما الهدف من وراء انتشار أقوال منسوبة لنبى الاسلام تُهين كرامة المرأة ,من شاكِلة (المرأة ناقِصة عقل ودين),(المرأة شيطان),(ما خلا رجل وإمرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما) إن المروجين لمثل هذه الأحاديث والأقوال تحركهم بِنْيَة الوَعىْ التّناسُلى ,الغريزة ,أى إن المرأة – عندهم - لاتُساوى أكثر من جسد تنحصر كل وظائفه فى مُتعة الزوج/الرجل فى الفراش . إن الخطاب الديني السائد الآن في الدول الإسلامية يختزل المرأة/الانسان في "الأٌنثى" فقط, وتملأ أجهزة إعلام الدول الاسلاموية- السودان نموذجا- أحاديث منسوبة لنبى الإسلام عن (حُسنْ التَبَعُّل !!), ورجال دين لايختشون يوصون النساء بأن:"المرأة التى تريح زوجها فى الفراش هى الأكثر قرباً لله !!!.)الفقرة بالنص من برنامج ديني بالإذاعة السودانية) ويرى هؤلاء إن المرأة لا تعدو كونها كائن مثير للشهوة ,والفتنة,ويجب غض النظر عنها لأن العين تزنى وزناها النظر!!(لاحظ الدوافع الغريزية ),ويجب ألا ترفع صوتها لأنه عورة!!,ويجب أن تغطى كامل جسدها لأنه مُثير لغرائز الرجل !!, والحل الأخير والناجع لهذه المُشكلات,في رأيهم, هو "قرار"النساء فى بيوتهن !!, وحِرمانَهُن من المشاركة فى الحياة العامة ,ومَنعَهُن من العمل, وبعد ذلك لايهم إذا إختَلّت التّنمية,أو إذا قَلّت الأيدى العاملة , أو إذا وقفت عجلة التَطَوُّر فى المجتمع,أو إذا إرتَهَن الإقتصاد الوطنى لتَبعِية الرأسمال العالمى . فقط المهم ,والمهم جداً ألا تخرج النساء من البيوت ( حتى لا يفتتن بهن رجال الدولة الاسلامية !!) ويبقين داخل أسوار المنازل خادمات مطيعات لشهوات الرجل/الزوج, وخادمات للأسرة السعيدة !!!؟. من الطبيعى ألا يكون هذا الوضع الشائه مستقيماً, وذلك لعدة أسباب أولها وأهمها: إنه إذا كانت الديانات تضطهد النساء , وتضعهن فى مكانة أقل من مكانة الرجال, فقط لكونهن نساء,من الطبيعى ألا تطالبهن تلك الديانات بأى نوع من أ نواع القبول أو التَعَبُّد أو الإتباع للديانة المحددة . لأنه ليس من المنطقي أوالمعقول أن يتدَيّن الإنسان بديانة تضعه في مكانة أقل, ومرتبة دُونِية, وتُقِر بإضطهاده,. هذا أولاًً,وثانياً لا أظن أن هناك ديانة محددة تُقر عدم المساواة بين مجموع الأفراد المؤمنين بها, أو تعترف بمكانة أعلى للرجل - لكونه رجل- على المرأة فقط لكونها إمرأة .إن الديانات عموماً ,وخصوصاً الدين الاسلامى ,إذا وضعناها في إطارها التأريخى سوف تخرجنا من هذا المأزق بلا أدني شك,بما في ذلك الإعتراف بتأريخية النصوص. إن حالة عدم المُساواة كانت سائدة فلى فترة تأريخية محددة,مثلها مثل التباهى والتفاخر بخوض الحروب - هل من أحد يُمَجِّد الحروب فى يومنا هذا؟- وقتل الأبرياء ,وسبى النساء وإغتصابهن,والرِّق ,وغير ذلك من الأشكال الثقافية/الإجتماعية التى سائدة في فترة تاريخية محددة وزالت مع تطور المجتمعات لسبب أنها لاتحترم إنسانية الإنسان, وتُهينه ,وتُحط من قدرهُ وقيمتهُ كإنسان. إن التَطَوُّر الإجتماعي للمجتمعات جعل البشرية تتجاوز عدداً من الأشكال التى كانت تُهين الانسان ,وتحط من كرامته,ومن الطبيعي أن يكون من بينها عدم المساواة بين المراة والرجل .. إن الأزمة الحقيقية التي تعقد قضية المرأة في مجتمعاتنا هي تحالف السلطة/رجال الدين ,وقمة هذه المأساة شهدناها في السودان حينما إعتلى عرش السلطة رجال الدين المنضوين تحت راية الجبهة الاسلامية , حيث بدأت سلسلة من القهر ,والإضطهاد ,و الإفقار المنظم للجماهيرالكادحة , والتعذيب, وكانت المرأة أكثر من عاني.. إن الفشل الملازم للإسلامويين ينبع من تخلف تفكيرهم .. كانت هناك حرب دائرة في جنوب السودان لأسباب إقتصادية بحته (تنمية غير متوازنه,إقتسام ثروة,....الخ) بمجرد وصول الاسلامويين للسلطة أعلنوا "الجهاد !!" ضد المواطنين المسيحيين/الجنوبيين (الكفارحسب رأيهم) وحولوا الحرب بذلك من حرب ذات أبعاد إقتصادية/سياسية, إلي حرب دينية . وقُتِل ملايين المواطنين السودانيين ,ونزح آخرون ,وهاجر من هاجر, وخَسِر الوطن كثيراً (هذه تجربة تحتاج لدراسة مطولة) لكن سردتها هنا لتتخيل معى كيف يفكر الاسلاميين.

وكيف يُشوهون الدين الاسلامى ؟. تكريس لوضعِّية مُشوهة ترى الآخر المختلف دينياً مواطناً من الدرجة الثانية,يجب أن يسير على أطراف الطريق ,ويدفع الجِزية عن يدٍ وهو صاغِر !!؟.. أما المرأة فحَدِّث ولا حرج, بمجرد إعتلاء تحالف الترابى/البشير,الاسلاميين/العسكر للسُّلطة خَسِرَت المرأة السودانية كل مُكتسباتها التى حققتها في فترات الديمقراطية -على شُحّها - وبدأت تظهر بوادر رِدّة تأريخية في قضيّة المرأة ,تراجع تعليم البنات ودعمت دولة المشروع( الحضارى الاسلامى!!) هذا التراجع بإصدار قانون للتعليم العالي يحرم البنات من دراسة علوم معينة (هندسة النفط مثلآ !) ويحد من عدد البنات فى التعليم العالى ,( وبالتالي من العمل, وتدريجياً من الشارع).. تراجع وضع المرأة في الخدمة المدنية ( ودولة الإسلام !!) دعمت هذا التراجع بترسانة من القوانين المُقيِّدة لحريات النساء(عدم مساواة فى الأُجور ,عدم مساواة في سن المعاش-55سنة للمرأة ,و60 سنة للرجل-,التشجيع علي عدم توظيف النساء, إجازة أمومة بدون أجر للنساء العاملات في حالة الولادة , لا تعمل النساء بعد العاشرة مساء , وقبل السادسة صباحا, منع النساء من العمل فى الكافتريات والمطاعم وطلمبات الوقود – (والملاحظ إن هذه القطاعات توظف معظم النساء,لأنها لاتشترط أى نوع من التأهيل الأكاديمى,وغالبية النساء السودانيات يعانين من الأُمِيَّة,خصوصاً النازحات) والهدف واضح : إفراغ الخدمة المدنية ,ومؤسسات الدولة من النساء !!.إبتدعت (الدولة الإسلامية) أيضا قانون النظام العام الذى يفرض على كل النساء إرتداء الزى الاسلامى"الحجاب"!! ,وفى السودان عدد كبير من معتنقى الديانة المسيحية ,وغيرها من الديانات. قانون النظام العام هذا يجعل أي إمرأة تخرج إلى الشارع متهمة !! هكذا ببساطة .. كل هذا إنبنى على خلفية دينية/إسلامية ترى في المرأة كائنا مثيراً للشهوة والفتن يجب حبسهُ بين جدران البيت !!! تُفضِي بنا هذا الوقائع الي الحديث حول أزمة القوانين المُقيِّدة لحُريَّة وحركة المرأة والتى تتسم بالتمييز ضدها ، خصوصا في المجتمعات الاسلامية ، والتى تنتشر فيها تحالفات السلطة/رجال الدين،هذه التحالفات التى تسعى إلى إبقاء الوضع المُتأزِّم فى مجتمعاتنا بإبقاء الازمة الاقتصادية التى تتجلى فى مظاهر التخلف الاقتصادى والاجتماعى السائد فى أوساط مجتمعاتنا فى أشكاله الرئيسية : (الأمية،التَبْعيَّة الاقتصادية ، تَخلُّف الصناعة،الدولة الدينية/العسكرية،غياب الديمقراطية،إضطهاد المرأة،إضطهاد الاقليات القومية.....إلخ).يسعى هذا التحالف (العسكر/رجال الدين) إلى تكريس الوضع المأزوم الذى ينفى الإنسان ويُعَزِّز غُربته ، ويبدأ من الحلقة الأضعف في الوجود الإجتماعي – حسب رؤيتهم - وهى المرأة.إن مجموع القوانين السائدة مُستمدة من الدين الاسلامى ، كذلك العادات والتقاليد والأعراف فى غالبها مُستنِدة الى البُعد الدينى . تنادى هذه القوانين المستمدة من الدين الإسلامى الى حبس النساء فى البيوت وحرمانهن من كافةحقوقهن(التعليم،العمل...الخ).السؤال الأهم هنا : اذا حبسنا كل نساء( الدولة الاسلامية !) بين جدران البيوت ،من الذى يعمل ؟، من الذى ينتج ؟ وما هو الدور الملقى على عاتق النساء والمنوط بِهُنّ القيام به فى ظل الدولة الاسلامية؟ .. يتحجّج رجال الدين بحُجَجْ واهية ومردود عليها وهى ان النساء- بعد بقائهن فى البيوت- تُوكَل لهُنّ مُهِمة تربية النشء والاطفال..والحجة الأخرى هى إن خروج النساء الى الشوارع( للعمل والتعليم وغيره) ينتج عنه ( التفسخ والفساد ، و الإنحلال الاخلاقي) (نتحفظ علي هذه العبارات ,لكن نضطر لإستخدامها لأنها لغة الخطاب الإسلاموي السائدة) . نناقش الحجة الاولي وهي مسألة دور المرأة كمربية للاطفال والنشء ولنفترض جدلاً أن واجب تربية الاطفال هو مسئولية المرأة/الام/الزوجة، ما هو واجب الرجل/الأب/الزوج ؟ وهل من المعقول أن يقوم إنسان مشوه بسبب معاناة الإحساس بالدونية ، والعُزلة من المحيط الاجتماعى، والحبس فى البيت، بواجب على هذا القدر من الاهمية والجّسامة؟ وهل التربية هى مسؤولية المراة والرجل لوحدهما، أم هى مسؤولية الدولة ومؤسساتها ؟! . الحقيقة هى إن التربية هى مسؤولية الدولة ومؤسساتها ، ودعوة رجال الدين التى ترمي مسوؤلية التربية علي عاتق المرأة المحبوسة بين جدران البيت ما هى الا دعوة لتبرير تخلى الدولة عن القيام بواجباتها .. النقطة الاخرى، هل خروج النساء للشوارع ( للعمل والتعليم...إلح) هو وحده السبب فى تفشى الامراض المجتمعية (انحلال اخلاقي ، فساد ، دعارة...الخ) ؟؟؟ وهل المرأة هى وحدها المسؤولة عن ذلك وما هو دور الرجل فى (الإنحلال الاخلاقى؟) وما هو دور الدولة ؟ الحقيقة هى إن (الإنحلال والتفسخ الاخلاقى) والأمراض المجتمعية تفشت فى المجتمع السودانى بصورة مريعة بعد إستيلاْء الجبهة الاسلامية على الحكم فى البلاد ودعمت طبقة على حساب طبقة اخرى وظهر التفاوت الاجتماعى الحاد فى الأوضاع المعيشية ، بالاضافة الى أسباب أخرى كالنزوح، والهجرات الجماعية من الريف لأطراف المدن، وتفكك البنية الاجتماعية وتهتك النسيج الاجتماعى للمجتمع بسبب الحرب، وتفشى القبلية بعد حل الاحزاب ومنظمات المجتمع المدنى أى إن هذه الظاهرة لها أسبابها الاقتصاديةـ الاجتماعية، وهى كظاهرة غير مرتبطة بنسبة التَدَيُّن، أو طول اللِّحى ،أو الوأد العصرى (النِّقاب)، لنطرح سؤالاً مهماً ، هل القانون هو الذى ينتج الأخلاق والقيم ؟ أم إن الأخلاق والقيم هي التي تنتج القانون ؟ ( حسبما أري القانون يحافظ علي أويصون المنظومة القيمية والاخلاقية للمجتمع , ولكنه لايسهم أبداً في صياغة القيم والأخلاق ) ,وهل التّدَيُّن علي هذا النحو ، وحبس النساء في البيوت ينهي التحلل والفساد الاخلاقي و"الدعارة"؟. أم بدراسة الظاهرة بكل أبعادها ، ومسبباتها الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ السياسية وإقتراح الحلول الجذرية لها من صميم الواقع الذي نعيشه بكل تعقيداته .. إن وصول الاسلاميين للحكم في السودان فاقم من أزمات الوطن بشكل مريع وقاسي مثلماعمل علي تأزيم وضعية المرأة من خلال ترسانة من القوانين المستمدة من الدين الاسلامي والشريعة الاسلامية ، ويغيب تماماً عن وعى الاسلاميين حقيقة إن السودان بلد متعدد الديانات، والثقافات ، والاعراق ، والاعراف ،والإثنيات ، فيتم بقانون واحد إلغاء كل هذا التعدد و التنوع الثر والخلاّق لصالح الدولة الدينية/الاسلامية وآحاديتها , وشريعتها وقوانينها القامعة . إن الضرورة المُلِّحة الآن ـ أكثر من أى وقتٍ مضي ـ هى النضال من أجل فصل القوانين عن الشريعة الاسلامية ، وصياغة قوانين مُستَمدّة من الواقع الذي نعيشه بكل تعقيداته التي لم تكن موجودة قبل 14 قرن من الزمان .إن العلمانية ببعدها السياسي(فصل الدين عن الدولة) لايمكن أن تفي بهذا الغرض، ولاتكفي لبناء وطن جميل بتنوعه ، بل العلمانية الشاملة لجميع جوانب الحياة (الإقتصاد ، الإجتماع ، السياسة ، الأدب ، الفن ، القانون ،...ألخ) أي علمنة المجتمع هى الحل الوحيد والجذرى للخروج بالوطن من عنق الأزمه الشاملة . إن التشريعات والقوانين المستمدة من الدين الاسلامى وشريعته لايمكن أن تكون هي الأساس الذي يحكم سلوكياتنا وعلاقتنا اليوم وذلك لأسباب موضوعية أهمها إن هذه التشريعات (بما فيها المنصوص عليها في القرآن) لها أسبابها ، وظروفها الموضوعية (الاقتصاديةـ الاجتماعية....إلخ) التي كانت موجودة ، ومُؤثِّرة ، وسائدة في ذلك الزمان ، وإنتفت نتيجة للتطور الإجتماعى للبشر،وللمجتمع البشرى الذى يتجاوزـ بتطوّره ، وتطلعاته ـ كل الأشكال، والعلاقات التي لا تحترم الإنسان وإنسانيته . ولنطرح هنا سؤالآ موضوعياً ما هو الداعي لإستنباط أحكام وقوانين من الدين الاسلامي والشريعة الاسلامية اليوم ؟؟ خصوصاً إذا أخذنا في إعتبارنا موضوع تعدُّد المذاهب الفقهية الاسلامية، إن مسألة تعدد المذاهب الفقهية هذه يمكن أن نستلهمها في وضع قوانين علمانية مستمدة من الواقع ومستندة عليه ومطابقة له ، لان المذاهب الفقهية إختلفت أساساً على خلفية سعيها لمطابقة واقعها مع أحكام الدين ، فالطبيعى والمنطقى ـ من وجهة نظرى ـ ان تكون القوانين والتشريعات، ونظام الحكم الذى يحكم سلوكياتنا , وعلاقاتنا ، وتعاملاتنا فى عالم اليوم مطابقة للواقع الذى نعيشه وليست مفارقة له. إن السعى لمطابقة القوانين مع احكام الدين يعني ـ ببساطةـ إلغاء وظائف العقل البشرى الذى يسعى لإيجاد حياة وواقع أفضل للإنسانية , إن التاريخ الاجتماعى للدين الاسلامى يحدثنا عن وقائع عديدة أُستُعملت فيها وظائف العقل وعُطلت فيها وظائف النصوص( الخليفة عمر بن الخطاب عطل في عام الرّمادة حد السرقة ـ قطع اليد ـ بعد عشرة أعوام فقط من نزول نص قطعى الدلالة علي قطع يد السارق). فما بالنا نحتكم الى نصوص مضت عليها 1400 سنة واكثر...هل يعنى هذا ان الدين يتعارض مع تطلعات البشرية لحياة أفضل؟، إن تعطيل العقل البشرى لصالح توظيف النصوص التاريخية لا يعني أكثر من تخليد وابقاء خضوع الفقراء للأغنياء.. المسكوت عنه : اذا كانت حقيقة الدعاوى التى تنادى بحبس النساء بين جدران البيوت هى لصالح النساء، فلماذا يسكت الجميع ويغضون الطرف عن حوادث التّحرُّش الجنسى على النساء فى المدارس والجامعات، وأماكن العمل، وفى المواصلات العامة؟! الحقيقة ان ازدياد وكثرة حوادث التحرش الجنسى والذى أصبح يشكل ظاهرة ـ تحتاج الى مزيد من البحث والدراسة- مرتبط بالقهر الذى نعيشه فى مجتمعاتنا قاسية المركزية والتسلُّط ، لكن هذا لا ينفى حقيقة وجود تحرش جنسى، ـ مع سبق الاصرار والترصد - لجعل النساء يبقين بين جدران منازلهن .لكن السؤال المهم لصالح من يكون هذا الإعتداء علي النساء؟؟ .. أخيراً حاول الكاتب أن يقف علي تعقيدات قضية المرأة في المجتمعات الاسلامية , وتداخلاتها مع البعد الدينى/الاجتماعي/الثقافي/السياسي والقانوني .حاول أن يعكس مدى وحشية القوانين وقمعيتها تجاه المرأة , ومدى تشبُّث هذه القوانين بالشريعة الاسلامية . ناقش أزمة وصول الاسلامويين للحكم و وتأزيمهم لاوضاع المرأة , وسلبهم لمكتسباتها . وطرح للنقاش فكرة فصل القوانين عن الدين ..

* اعتمدت في هذا المبحث علي مؤلف د/نصر حامد أبوزيد، الثر : دوائر الخوف، قراءة في خطاب المرأة

الإستثمــار في الكراهية !

الإستثمار في الكراهية !

أدانت محكمة الخرطوم شمال إحدي الصحف بإشانة السمعة والكذب الضار إثر تقارير نشرتها تلكـ الصحيفة (تدعي) فيها إن نائب رئيس حكومة الجنوب حول أموالاً عامة لمنفعته الشخصية. وقد وصلت المحكمة فى القضية المعروضة أمامها ،إلى أن التقارير كانت (ملفقة)، والمستدات المرفقة مع التقارير كانت (مزورة).فأعلنت براءة نائب رئيس حكومة الجنوب، و بالتالى إدانة الصحيفة.
وإذ نكتب عن هذا الحادث لا يحركنا دافع الشماتة فى تلك الصحيفة ،ولا مناصرة نائب رئيس حكومة الجنوب، ولا للإحتفاء بالقانون الجنائى لعام 1991الذى تعتمدعليه المحاكم السودانية فى أحكامها. إنما نكتب عن هذه الحادثة لهم آخر ...هو هم الصحافة.
وإن كانت الصحافة كمهنة تقوم علي قواعد وأخلاقيات يفترض أن يلتزم بها كل من يمارس هذه المهنة.. وأن لا تقوم الصحف بالأستثمار في زراعة الكراهية، وأن لا تبني سياستها التحريرية علي تأجيج نيران الفتن و النعرات العنصرية والقبلية ،لأن هذا السلوك يتنافي مع أبسط قواعد وأخلاقيات مهنة الصحافة. ويتناقض مع مبادىء حقوق الإنسان و إحترام الحق فى التعبير.
نعتقد إن العلاقة بين القارئ وبين الصحيفة ـ أي صحيفة ـ هي علاقة إحترام متبادل ينبني علي أساس (الصدق) والنزاهة والموضوعية من جانب الصحيفة ، وأن يحترم القائمون علي أمرالصحافة عقول قراءها، وألاَّ يبيعونهم الأكاذيب.
ونري أن من واجب الصحافة نشر الوعي بين الناس .. الوعي الذي يبصرهم بمعالجة همومهم ومشكلاتهم، وليس نشر أي شئ آخر يفاقم تلكـ المشاكل.



http://gadoora.katib.org

مجلس الصحافة وحرية التعبير

مجلس الصحافة وحرية التعبير
بين قانون 2004 ومسودة التجمع

في تعليقه علي مسودة مشروع قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2008 التي قدمها التجمع الوطني الديمقراطي للبرلمان ، كتب الدكتور هاشم الجاز الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات بصحيفة الرأي العام في عددها رقم (4053) الصادر يوم الخميس 8 يناير 2009 يقول انه لا يوجد فرق بين قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2004 ومسودة مشروع قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2008 التي دفع بها التجمع إلي منضدة البرلمان بالإضافة إلي تعليقات أخري لا يعنيني أمر الرد عليها في هذه الكتابة .
من المعروف إن قوانين الصحافة التي تحكم عملية نشر تداول المطبوعات والصحف في المجتمع هي المعيار الموضوعي الذي يمكن بتحليل مضمونها التعريف علي مدي حرية الصحافة والتعبير في مجتمع ما . وكذلك خصائص النظام الصحفي القائم في المجتمع المعين . مع الاعتراف بان الواقع الفعلي قد يشهد العديد من التجاوزات لنصوص القانون سواء أخذ هذا التجاوز شكل التعسف في تطبيق روح هذه القوانين أو أخذ شكل التساهل في تطبيقها ، ولكن يبقي في نهاية الأمر ان قوانين الصحافة هي الوثيقة الرسمية القانونية الوحيدة التي يمكن الرجوع إليها للتعرف علي خصائص النظام الصحفي في أي مجتمع .
ويحدد الدكتور فاروق أبوزيد عميد كلية الاعلام بجامعة القاهرة تسعة محددات يمكن من خلالها تصنيف النظام الصحفي القائم في المجتمع علي انه نظام سلطوي أو ليبرالى او خلافه ، وهذه المحددات هي ملكية الصحف ، طرق إصدار الصحف ، التامين المالي ، حق ممارسة العمل الصحفي الجزاءات والعقوبات الصحفية ، تعطيل وإلغاء الصحف ، الرقابة علي الصحف حق نقد رئيس الدولة ، حق نقد نظام الحكم )
ومن خلال الاطلاع علي قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2004 الساري حاليا نجد الاتي :
ـ ملكية الصحف : المادة (23) من قانون 2004 تجوز ملكية الصحف وإصدارها لجهات معينة ، ولا تعطي هذا الحق لأي شخص يريد إصدار صحيفة .
ــ طرق إصدار الصحف : يشترط القانون الحصول علي ترخيص مسبق المادة ( 24).
ــ التامين المالي : يشترط القانون دفع تامين مالي قبل اصدار الصحيفة المادة (25) ب
ــ حق ممارسة العمل الصحفي : بشرط حصول المواطن علي ترخيص من السلطة للمارسة الصحافة ( القيد المسبق) المادة (26) (1) وفي هذا يتعارض قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2004 مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الدولية التي تكفل حق التعبير لكل إنسان .
ــ الجزاءات والعقوبات الصحفية : وتصل الي حد ايقاف الصحف ( 36- ز) وشطب اسم الصحافي من سجل الصحافيين (37 - ج) ومصادرة المطابع والمطبوعات الصحفية (37 ـ هـ) .
ــ تعطيل والغاء الصحف : يمنح القانون للمجلس سلطة تعطيل والغاء الصحف المادة ( 9 ـج) ، ( 9ـ ط) ، ( 37ـ د) .
ــ الرقابة علي الصحف لم يتضمن القانون نصاً يسمح لجهاز الامن أو أي جهة آخري الرقابة علي الصحف .
ــ حق نقد رئيس الدولة وحق نقد نظام الحكم : لم تر في القانون مادة واضحة تبين هذا الحق ، مع ملاحظة ان عدم النص في هذا القانون علي عدم حظر نقد رئيس الدولة لا يعني في التطبيق العملي السماح بهذا الحق او ان هذا الحق يمارس فعلاً .
من خلال الملاحظات الواردة نجد ان النظام الصحفي القائم في المجتمع هو نظام صحفي سلطوي بمقايس ومعايير حددتها علوم الصحافة ومعروف ان النظام السلطوي للصحافة يقوم علي أساس جعل الصحافة في خدمة السلطة سواء كانت تقوم علي الحكم الاستبتداي او الحكم المطلق. وهو من أسوا النظم الصحفية التى عرفتها الدنيا اذا انه ينتهك حق التعبير عن الرأي وحق النشر وينتهك مبدأ حرية الصحافة .
يقول الأستاذ نبيل اديب عبد الله المحامي : ان أهم ما جاء في مسودة مشروع التجمع هو التخلص من إخضاع الصحف لسلطة المجلس العقابية فوفقاً للقانون الحالي للمجلس سلطة ايقاف الصحف ( المادة 9/ج) لمخالفتها شروط التصريح ، ولحين النظر في الشكوي المقدمة ( المادة 9/ط ) ومحاسبة الصحفيين ( المادة 9/د) ونوضح الجزاءات الواردة في القانون والتي تصل الي الايقاف لمدة سبعة ايام ، ويضيف عمد مشروع التجمع الي نزع هذه السلطات الواسعة من المجلس وجعل اختصاصاته تتعلق بمساعدة الصحافة وذلك بتقديم النصح للأجهزة المختلفة للدولة فيما يتعلق بعلاقاتها بالصحافة واقترح القوانين او التعديلات التي تدعم حرية الصحافة كما هو متبع في مجتمع ديمقراطي تعددي كما الزم الدولة كلها بضمان حرية الصحافة ولايجوز الحظر المسبق للنشر الا بموجب أمر قضائي لمنع ضرر حال وماثل علي مصلحة مشروعة لا يكفي التعويض لجبره بعد وقوعه ، كما نص مشروع التجمع علي عدم جواز مصادرة الصحف او تعطيلها او إلغاء ترخيصها او إيقافها عن الصدور ..( أو حرقها من المحرر).
أما بالنسبة لسلطات المجلس فقد منحه المشروع سلطة الترخيص ولكنه حدد هذه السلطة فجعلها وجوبية وأخضعه في ممارسة تلك السلطة لرقابة القضاء وجعل اختصاصه بنظر الشكاوي ضد الصحف اختياري فاشترط لمزاولة المجلس اختصاصه قبول الطرفين .
كما ان مشروع التجمع أجاز للأحزاب السياسية حق إصدار الصحف علي عكس قانون 2004 الذي يعطي هذا الحق للأحزاب السياسية المسجلة فقط .
مجلس الصحافة وحرية التعبير :
ليس بعيداً عن الاذهان قرار رئاسة الجمهورية الذي صدر في العام 2003 وأحيلت بموجبه مهام الرقابة علي الصحف الي مجلس الصحافة. ومجلس الصحافة الذي يتكون من 21 عضو منهم 7 اعضاء يعينهم رئيس الجمهورية من بينهم الأمين العام . وهو بهذا الوصف جهاز من أجهزة الحكومة وصفه القومية المطلقة عليه ليست لها أي دلاله اذا ان قومية أجهزة الدولة تعني قدراً من الاستقلالية من السلطة .
يقول الاستاذ أنور محمد سليمان : ان حرية التعبير وحرية الصحافة في السودان تستلزم وجود قانون صحافة ومجلس يستوعبان الوسائل الاتية :
اولا:
مجلس صحافة ذو طبيعة قومية ويمكن الوصول الي ذلك عن طريق تكوين مجلس يمثل ادارات الصحف وهيئات التحرير فيه وذلك لضمان المصلحة الحقيقية للصحافة السودانية . وهو بهذا التكوين يصبح جهاز مقابل ومتكامل مع نقابة الصحفيين وتحقق له استقلالية عن السلطة تمكنه من النظر الي قضايا الصحافة من منظور افضل بدلاً عن منظور الاجهزة الامنية والرقابية .
ثانيا:
الصفة الفنية المهنية للمجلس ، وهذا هو دوره الحقيقي الذي ينبغي ان يضطلع به . فدور المجلس دور مهني يتمثل في اقرار ادبيات العمل الصحفي ، وانشاء معهد لتدريس الصحافة ( كعلم ) وتدريب الصحفيين والمراسلين بدلاً من ان يكون مجرد جهاز لاصدار التراخيص وتحصيل الرسوم من الصحف أو جهاز رقابي مهمته ايقاف هذا الصحف عن العمل او تلك الصحيفة عن الصدور .وهو دور ظل يمارسه المجلس بتكوينه وصفته الحالية ، الامر الذي يرقي لدرجة التجني الصريح علي حرية الصحافة عوضاً عن الارتقاء بها . هذا التجني ايقاف بعض كتاب الاعمده الي حين منحهم تراخيص مزاولة المهنة الصحفية ( القيد ) في حيث ان الكتابة في الصحف سواء بانتظام او غيره هي حق شرعي لكل انسان وجزء اصيل من حرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في القانون الدولي الانساني .
ويضيف انور ( الاقرار بسلطة القضاء لا ن دور المجلس هو تنفيذ القانون لا تطبيقه الذي هو من اختصاص القضاء ، فلابد من اخضاع المجلس وقانونه لسلطة المحاكم قبل اخضاع الصحف والصحفيين الي سلطة المجلس ، ويقول ان منح مجلس الصحافة سلطات قضائية تمكنه من حرمان الصحف من الصدور ، او حرمان صحفي من مزاولة مهنة الصحافة ينطوي علي انتهاك مبدأ ين من اهم مبادئ القانون الانساني هما الحق في محاكمة عادلة امام قضاء مستقل . والحق في التعبير بحرية عن الرأي .ويدعو انور الي النضال من اجل ارساء مفاهيم حرية الرأي والتعبير ليس لإغراض سياسية وحسب بل من اجل حياة فكرية وثقافية وتربوية افضل للجميع .
عندما نشرت صحيفة الميدان مسودة مشروع التجمع توقعت ان تثير ردود افعال ومناقشات واسعة للمسودة ، لكن ما كنت اظن ان احداً سيدافع عن قانون 2004 في معرض نقده للمسودة !!
؟

الثلاثاء، 20 يناير 2009

العدالة الإنتقالية

العدالة الانتقالية : مفهومها ، مناهجها وآلياتها

( قراءة في مشروع برنامج الحزب الشيوعي السوداني المقدم للمؤتمر العام الخامس)



بدءاً لا بد لي أن احيي شهداء الحزب الشيوعي السوداني ،ومن بعد التحية لأعضاء الحزب وقياداته وهم ينجزون مشروع برنامج حزبهم ويطرحونه في وسائط الإعلام كخطوة في طريق إنجاز مؤتمرهم الخامس.
احتوي مشروع البرنامج علي مقدمة وتسعة فصول تناولت بالترتيب :الديمقراطية،الاقتصاد، البيئة،السياسة الصحية،التعليم والبحث العلمي،الثقافة الوطنية،المرأة والشباب والرياضة،قدسية الدين ودنيوية السياسة،وتجديد المشروع الاشتراكي.
في الفصل الأول الذي تناول قضية الديمقراطية قسمها إلي عدة محاور وهي بالترتيب: وحدة التنوع،الديمقراطية التعددية، الإصلاح الديمقراطي في جهاز الدولة والمجتمع،العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية:لجنة المكاشفة والحقيقة ، السودان جمهورية برلمانية، السلطة الوطنية الديمقراطية.
علي أهمية المحاور المطروحة إلا أنني أري إنها جميعها أخذت حقها من النقاش في منابر عديدة ، لذا رأيت أن أتناول موضوعة العدالة الانتقالية والنقاش حول مفهمها ومناهجها وآلياتها باعتبارها مجال حديث خصوصاً في المجتمع السوداني الذي شهد العديد من الفترات الانتقالية التي مرت بدون عدالات – وهذا في تقديري- هو أس البلاء الذي نرزح فيه الآن.
تحت عنوان العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية: لجنة الحقيقة والمصالحة ورد في مشروع البرنامج ما يلي:
رابعاً: العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية: لجنة المكاشفة والحقيقة.مارس نظام الإنقاذ على مدى العقدين الماضيين، انتهاكاً لا مثيل له للحريات والحقوق، وتنكيلاً لم يعرفه تاريخنا الوطني، بكل من توسم فيه معارضة له، فاغتال وعذب وسجن واعتقل في السجون الرسمية وفي بيوت الأشباح ، كما شرد من الخدمة آلاف القادة السياسيين والنقابيين والعسكريين وناشطي المجتمع المدني.وأشاع نظام الإنقاذ سياسات التفرقة والتمييز في كل المجالات لصالح منسوبيه ومختلف صور الإذلال والمعاملة غير الإنسانية ضد كل من عداهم، بمن في ذلك المواطنين العاديين. والى ذلك فاقم من أوضاع التهميش التاريخية في البلاد وسعّر الحرب الأهلية في مختلف ميادينها حتى عمت الحرائق أنحاء واسعة من الوطن، وحتى أصبح ملايين السودانيين موزعين بين معسكرات النزوح ،واللجوء لبلاد الآخرين.غير أن تطورات مختلفة، بينها الخلافات التي نشبت في جبهة الحكم كنتيجة طبيعية لعزلته، إضافة لبسالة وصمود قوى السلام والديمقراطية في الداخل، والضغوط التي مارسها المجتمع الدولي، أرغمت النظام على إبرام (اتفاقية السلام الشامل) مع الحركة الشعبية / الجيش الشعبي لتحرير السودان. ومع أن النظام وقع اتفاقات أخرى في القاهرة ابوجا واسمرا، إلا إن (اتفاق السلام الشامل) يظل هو الأكبر تأثيراً على راهن ومستقبل الوطن فقد ترتب عليه صدور الدستور الانتقالي لسنة 2005 ، الذي نص على وقف الحرب الأهلية وعلى فترة انتقالية مدتها ست سنوات تجرى خلالها انتخابات رئاسية ونيابية ويعقبها استفتاء في الجنوب على الوحدة أو الانفصال.لكن انقضاء ثلاث سنوات دون إن تنجز (حكومة الوحدة الوطنية) التي يحتل حزب المؤتمر الوطني موقع القيادة المطلقة فيها، أصاب الجماهير بالإحباط ، خصوصاً إزاء العجز الواضح عن التوصل إلى تسوية للأوضاع المزرية في دارفور.وهكذا ما يزال إنجاز هدفي الاتفاق والدستور الانتقالي واجباً ملحاً، ولن يتحقق الا بحركة دفع قوية من جانب القوى الجماهيرية الشعبية كافة.من جهة أخرى تنص المادة 21 من الدستور الانتقالي على ان تبتدر الدولة حملة شاملة للمصالحة الوطنية، وعلى الرغم من عمومية هذا النص، ومن وروده ضمن المواد الموجهة لا الملزمة، إلا إننا نرى انه يمكن ان يتحول إلى أداة سياسية لتحقيق مصالحة وطنية معتبرة تتوفر فيها الشروط التاريخية لتحقيقها. لكن حزب المؤتمر الوطني لا يرغب إلا في إعادة إنتاج النموذج البائس للمصالحة التي عقدها نميري مع بعض أحزاب المعارضة في العام1977 رغم ان ذلك النموذج سرعان ما تقوض، بسبب فقدانه للضمانات الحاسمة، واثبت فشله الذريع في محك التطبيق.إن المصالحة الوطنية تقع في قلب التحولات الديمقراطية المطلوبة، لكنها لن تأتي الا نتيجة لسلسلة من العمليات والإجراءات الكفيلة بإبراء جراحات الماضي، في إطار العدالة الانتقالية . واتساقاً مع هذا المفهوم الحديث يرى حزبنا، إضافة إلى معالجة الآثار الجسدية والنفسية للانتهاكات، ضرورة تكوين لجنة وطنية للمكاشفة والحقيقة، بمعايير التجربة العالمية، بحيث يتوفر لها الاستقلال الإداري والمالي ، بما يمهد لمصالحة وطنية حقيقية، مع الذاكرة الوطنية في المقام الأول. أهم هذه العمليات والإجراءات:1. تلقى الشكاوي عن أية مظالم، مهما بلغ عددها أو حجمها أو الزمن الذي انقضى منذ وقوعها والتحقيق فيها وتحديد مرتكبيها 2. تنظيم جلسات عمومية مفتوحة للجمهور ولأجهزة الصحافة والإعلام، لتمكين الضحايا أو ذويهم من رواية ما حدث علناً، ولتمكين منتهكي هؤلاء الضحايا باختيارهم، من الإقرار علناً بالحقيقةوالاعتذارعنها.3. تخيير الضحايا بعد ذلك لاقبله بين العفو واللجوء للقضاء 4. إصدار التوجيهات الملائمة والملزمة لتسوية ظلامات الضحايا بالتعويضات وإعادة التأهيل، فردياً وجماعياً، وتعويض من تضرروا صحياً بتوفير فرص العلاج وما قد يحتاجونه من أطراف صناعية أو ما إلى ذلك، وتسوية أوضاع المفصولين سياسياً بدعاوي الصالح العام، مدنيين وعسكريين وكذلك تعويض من فاتتهم فرص تعليم أو إسكان أو غيرها من الخدمات.5. إصدار التوجيهات الملزمة بنشر وقائع المحاكمات العسكرية والكشف عن مدافن من تم إعدامهم وتسليم وصاياهم ومتعلقاتهم لذويهم.6. إصدار التوجيهات الملزمة بإشاعة ثقافة المكاشفة والحقيقة بكل الوسائط المقروءة والمسموعة والمرئية.7. وكل ما يجري في هذا المنحى، ويشمل شتى إشكال جبر الضرر الفردي كالتأهيل البدني والنفسي والإدماج الاجتماعي وتسوية الأوضاع القانونية والإدارية والوظيفية وقضايا نزع الممتلكات، فضلاً عن ابتداع أشكال لجبر الضرر الجماعي، كرد الاعتبار للمناطق التي طالها التهميش وخراب الحرب. ومراعاة ظلامات النساء
وهنا يشير البرنامج نصاً إلي إبراء جراحات الماضي في إطار العدالة الانتقالية ويطرح لجنة للمكاشفة والحقيقة كآلية إلي إبراء جراح الماضي
فما هو مفهوم العدالة الانتقالية ؟
مفهوم العدالة الانتقالية:
إن السعي إلي بلوغ العدالة الشاملة إثناء فترات الانتقال السياسي (الانتقال من الحرب إلي السلم/أومن الشمولية إلي الديمقراطية) أو ما يصطلح عليه بالعدالة الانتقالية كمجال يهتم بتنمية وتطوير مجموعة من الاستراتيجيات المتنوعة لمواجهة إرث انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي، بهدف الوصول إلي مستقبل أكثر عدالة وديمقراطية.وتهدف العدالة الانتقالية إلي التعامل مع ميراث انتهاكات حقوق الإنسان بطرق ومناهج واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية، وعدالة جبر الضرر،والعدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية. وترتكز علي اعتقاد مفاده إن السياسة القضائية المسئولة يجب أن تتوخي هدفاً مزدوجاً وهو : المحاسبة علي جرائم الماضي ، ومنع الجرائم الجديدة من الوقوع.كما لا تغفل الصفة الجماعية لبعض أشكال الانتهاكات.
تاريخ العدالة الانتقالية:
يرجع البعض إرهاصات ظهور هذا المجال إلي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومحاكمات نورمبرغ والقضاء علي النازية ،ويري آخرون إن معالمها بدأت تتشكل وتنضج مع تشكيل محاكمات حقوق الإنسان في اليونان في أواسط السبعينيات ومع المتابعات ضد الحكم العسكري الأرجنتين ،وجهود تقصي الحقائق في أمريكا الجنوبية؛وقد ساهمت لجان تشيلي 1990 والأرجنتين 1983 في ترسيخ معني العدالة الانتقالية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. كذلك ما يعتقد انه ساهم في ترسيخ مفهوم العدالة الانتقالية فتح ملفات وكالة الأمن الداخلي السابق في ألمانيا،ومنع منتهكي حقوق الإنسان السابقين من الوصول إلي مناصب في السلطة من خلال ما عرف بعمليات التطهير في تشيكوسلوفاكيا 1991. وكان للجنة الحقيقة والمصالحة التي أنشأتها جنوب أفريقيا عام 1995 دورا مقدرا في الدفع بالنقاش حول مجال العدالة الانتقالية.كما اشتهرت في هذا المنحي المحكمتان الجنائيتان الدوليتان في رواندا ويوغسلافيا.وتعتبر كل هذه الأشكال من مواجهة الماضي هي اللبنة الأولي التي أدت إلي ظهور العدالة الانتقالية كمجال وتطورها وترسيخها إلي أن توجت تلك الجهود بتشكيل المحكمة الجنائية الدولية التي تعتبر قمة التطور في نضال البشرية ضد امتهان كرامتها وانتهاكاتها.ويمكن الإشارة هنا إلي أن أي محاولة للاعتماد علي القانون الدولي لحقوق الإنسان لضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات تعتبر جزءاً من تاريخ عمليات العدالة الانتقالية.
مواجهة الماضي وأثرها في إرساء السلام وتعزيز التحول الديمقراطي:
ما من شك في أن مواجهة الماضي بشفافية وعلي هدي من مبادئ العدالة الانتقالية له كبير الأثر في إرساء السلام والسلم الاجتماعي، ودعم التعايش السلمي ،وتعزيز التحول الديمقراطي.. وإذا طرحنا علي أنفسنا سؤال فحواه لماذا يجب علينا مواجهة الماضي؟ نجد أن هناك الكثير من الدوافع والمبررات لمواجهة الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان، وتتمثل هذه المبررات في ما يلي:
· تعزيز الديمقراطية وتقويتها:وذلك لاعتبار أن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم علي أكاذيب ، وان مواجهة الماضي يمكن أن تؤدي إلي ديمقراطية أكثر قوة،وذلك من خلال إرساء مبدأ المحاسبة، ومكافحة ثقافة الإفلات من العقاب وعفا الله عما سلف.
· الواجب الأخلاقي في مواجهة الماضي: ويتمثل هذا الواجب في قيمة التذكر وفي قبول الضحايا والاعتراف بهم كضحايا،ولأن النسيان هنا يعتبر شكلاً من أشكال إعادة الإحساس بالظلم والإهانة، ولأنه من المستحيل تجاهل الماضي أو نسيانه لذلك فمن الأفضل إظهاره بطريقة بناءة وشفافة من خلال أشكال عديدة من بينها صيغة (لجنة المكاشفة والحقيقة) التي اقترحها الحزب . ويمكن إذا تجاهلنا الماضي أن ينفجر في أي لحظة في شكل عنف جديد.
· لنمنع ذلك في المستقبل: وذلك لخلق نوع من الردع ، فالتذكر والمحاسبة هما وحدهما الكفيلان بالحيلولة دون ارتكاب انتهاكات في المستقبل.
مناهج العدالة الانتقالية وآلياتها:
تقوم العدالة لانتقالية - علي الأقل إلي الآن - علي خمسة مناهج أولية لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية ، هي:-
1. المحاكمات :
وتعتبر أول فئة كبيرة من آليات العدالة الانتقالية وبموجب القانون الدولي تلتزم كافة الدول بالتحقيق في جرائم حقوق الإنسان الماضية ومحاسبة المسئولين عنها وفرض عقوبات عليهم، والتي تتطلب كحد أقصي الالتزام بالتسليم أو المتابعة ،وكحد أدني إلحاق عقوبة غير قضائية لا تتنافي كثيراً مع حجم جريمة حقوق الإنسان المعنية.ويمكن أن تكون المحاكمات محلية/وطنية أو محاكمات دولية،وهناك المحاكم المختلطة التي تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة والدول المعنية
النوع والمحاكم الجنائية الدولية: تعتبر المحاكم الجنائية الدولية أكثر حساسية فيما يتعلق بقضايا النوع وقد اعترفت بذلك، و تبنت لهذا الغرض منهج يراعي اعتبارات النوع في العدالة الجنائية الدولية وقد اعترف النظام الأساسي لكل من محكمتي رواندا ويوغسلافيا بان الاغتصاب يمثل جريمة ضد الإنسانية ،واهتمت المحكمتين باعتبارات النوع من حيث الحماية للضحايا والشهود وتدريب العاملين.
2. البحث عن الحقيقة وتقصي الحقائق:
نبعت الحاجة إلي هذه الآلية من المطالبة المُلحة للمجتمعات التي تعيش في مرحلة انتقالية بتفسير لمدي وطبيعة العنف أو الانتهاكات التي وقعت في الماضي أو في أثناء حكم النظام السابق.وينادي الضحايا ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية وأطراف عديدة بكشف"الحقيقة" حول الماضي ،وقد نادي نشطاء حقوق الإنسان والمدافعون عن الديمقراطية وأبرزهم نيلسون مانديلا بوضع سجل دقيق عما وقع في الماضي ومن خلال ذلك يمكن التعبير عما عاناه اؤلئك الضحايا..وقد ظهرت داخل مجال العدالة الانتقالية عدة وسائل لكشف الحقيقة حول الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان اختار الحزب الشيوعي من بينها صيغة لجنة المكاشفة والحقيقة.
المجتمع المدني ولجان تقصي الحقائق:
يلعب المجتمع المدني المحلي /الوطني دوراً مهما في عمليات تقصي الحقائق وذلك من خلال التجارب التاريخية للشعوب ففي غواتيمالا مثلاً نجحت لجنة الحقيقة المكونة من فعاليات المجتمع المدني ومن ضحايا الانتهاكات أكثر من لجنة الحقيقة الرسمية. وذلك لكونها كانت أكثر مرونة واستجابة للحاجيات المجتمعية وحاجيات الضحايا وأقامت علاقات مباشرة مع الضحايا وكانوا أنفسهم جزءا منها.
3. تعويض الضحايا وجبر الإضرار:
في ظل الانتشار الواسع لانتهاكات حقوق الإنسان أصبح لزاماً علي الحكومات ليس فقط التصدي لمرتكبي الانتهاكات بل أيضا ضمان حقوق الضحايا وذلك عبر تهيئة الظروف الملائمة لصيانة كرامة الضحايا وتحقيق العدل بواسطة التعويض عن ما لحق بهم من أضرار ومعاناة ،وبالتأكيد هناك أشكال من الأضرار لا يمكن تعويضها ، لكن يشتمل مفهوم التعويض علي عدة معاني من بينها التعويض المباشر(عن الأضرار أو ضياع الفرص) ورد الاعتبار لمساندة الضحايا معنوياً ،والاسترجاع(استعادة ما فقد).ويمكن تمييز التعويض حسب نوعه إلي معنوي ومادي، يتضمن المادي منح أموال أو حوافز مادية،وتقديم خدمات مجانية (صحة،تعليم،إسكان....إلخ).أما التعويض المعنوي فيكون باستصدار اعتذار رسمي ، أو تكريس مكان عام أو يوم وطني للذكري ..ويستهدف التعويض الانتهاكات الفردية والجماعية.. أما الأهداف المرجوة من التعويض فهي عديدة ومتنوعة من بينها الإقرار بفضل الضحايا جماعات وأفراد ، وترسيخ ذكري الانتهاكات في الذاكرة الجماعية الوطنية، وتشجيع التضامن الاجتماعي مع الضحايا ، وإعطاء رد ملموس علي مطالب رفع الظلم وتهيئة المناخ الملائم للمصالحة الوطنية عبر استرجاع ثقة الضحايا في الدولة ، بالإضافة إلي ذلك فإن مبدأ التعويض أصبح إلزامياً بموجب القانون الدولي، ويبقي ان نشير الي أن الهدف الأساسي لأي سياسة من سياسات التعويض هو إحقاق العدالة للضحايا..


4. الإصلاح المؤسسي:
وهو موضوع ذو صلة وثيقة بأهداف العدالة الانتقالية ويعتبر أحد الآليات التي تحتاجها البلدان الخارجة للتو من قمع الديكتاتوريات وتحتاج هذه البلدان إلي تبني إصلاحات تشمل مؤسساتها وقوانينها وسياساتها بهدف تمكين البلاد من تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية البعيدة المدي ، والتي تعتبر ضرورية لتفادي وقوع انهيار حضاري و/أو ديمقراطي في المستقبل . ففي فترات الصراعات عادة ما يتم تعليق معايير حقوق الإنسان وإفساد إجراءات العمل الاعتيادية وعقليات وقت السلم في العديد من مؤسسات الدولة إن لم تكن في مجملها .. وعندما ينتهي الصراع فإن إصلاح المؤسسات بشكل عام يكون الهدف منه هو إزالة الشروط التي أدت إلي نشوء فترة النزاع أو القمع .. وهناك ثلاث سبل إلي الآن يمكن عبرها بلوغ غاية الإصلاح المؤسسي وهي:
· إعادة هيكلة مؤسسات الدولة التي تواطأت في أعمال العنف والانتهاكات والقمع.
· إزالة كافة أشكال التمييز العرقي أو الإثني أو الديني أو النوعي القديم العهد والمرتبط بفترة الانتهاكات.
· منع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان من الاستمرار في الاستفادة من شغل مناصب في المؤسسات العمومية.

5.إقامة النُصُب التذكارية وإحياء الذاكرة الوطنية الجماعية:
ويتم إحياء الذكري عن طريق أي حدث أو واقعة،أو بناء يستخدم بمثابة آلية للتذكر..ويمكن أن يتم إحياء الذكري بشكل رسمي عن طريق الدولة بإقامة النُصُب التذكارية وغيرها ، أو بشكل غير رسمي بتلقائية وعفوية من الأهالي كبناء جدارية أوزراعة أشجار أو تشييد مظلة أو أي شكل للتذكر. ويسعي الناس إلي إحياء ذكري أحداث الماضي لأسباب عديدة منها الرغبة في استحضار ذكري الضحايا و/أو التعرف عليهم وعلي المظالم والانتهاكات التي وقعت عليهم وتعريف الناس بماضيهم ، أوزيادة وعي المجتمع ، أو دعم أوتعديل رواية تاريخية ،أوتشجيع تبني الاحتفال بالذكري الذي يدعم عملية العدالة الانتقالية من طرف مستوي محلي.ويمثل فهم احتياجات الضحايا وعائلاتهم والناجين من الفظاعات الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان الصارخة أحد العناصر الرئيسية في عملية العدالة الانتقالية ..إن تذكر الماضي يتيح نوعاً من تكريم الضحايا وأؤلئك الذين ماتوا، كما إن آليات التذكر يمكن أن تساهم في بلوغ أهداف أخري للعدالة الانتقالية بما ذلك تقصي الحقيقة، وضمان عدم تكرار ما تم من انتهاكات مستقبلاً ،وتحفيز الحوار والنقاش حول الماضي ،ووضع سجل تاريخي مناسب ،ومتابعة الأهداف المرتبطة بجبر أضرار الضحايا.ويمكن أن تكون النُصُب التذكارية كجبر رمزي للأضرار أو بمثابة تعويض معنوي للضحايا هذا بجانب دورها الحضاري الهام الذي يمكن أن يكون مكملاً ،لكن مختلفاً للغاية،عن الإجراءات الجنائية والقانونية المعقدة وإجراءات المحاكمات.
العلاقات المتبادلة يبن آليات ومناهج واستراتيجيات العدالة الانتقالية:
لا تعمل آليات ومناهج العدالة الانتقالية بصورة منفصلة عن بعضها البعض إنما تعمل وفق رؤية تكاملية فيما بينها وقد تكون مكملة لبعضها البعض لتشكل في تكاملها وتداخلها إستراتيجية للعدالة الانتقالية يمكنها أن تتعامل مع ميراث انتهاكات حقوق الإنسان.فمثلا قد يعتبر البعض إن قول الحقيقة دون تعويضات خطوة بلا معني خصوصاً إذا أعطيت وعود بالتعويض.ومن جانب آخر إذا تم منح تعويضات مادية دون عمليات مكملة لقول الحقيقة والمكاشفة سيتوقع من هذا خطورة إن ينظر الضحايا إلي هذه التعويضات كـ(أموال ملطخة بالدماء) أو كمحاولة لشراء صمتهم.كما إن تكامل عملية التعويض مع المحاكمات يمكن أن توفر جبرا للأضرار أكثر شمولا مما توفره كل علي انفراد.وقد تحتاج التعويضات من جانب آخر إلي دعمها بواسطة الإصلاحات المؤسسية لإعلان الالتزام الرسمي بمراجعة الهياكل التي ساندت أو ارتكبت انتهاكات حقوق الإنسان.مع الأخذ في الحسبان إن النُصُب التذكارية غالباً ما تهدف إلي التعويض الرمزي والجبر المعنوي للأضرار..إذن كما سبق القول نؤكد إن آليات ومناهج العدالة الانتقالية تعمل في تكامل حميم لوضع حد لجرائم انتهاكات حقوق الإنسان الجارية ممارستها، والتحقيق في الجرائم وتحديد المسئولين ومعاقبتهم، ومنح تعويض للضحايا، ومنع ارتكاب جرائم حقوق الإنسان في المستقبل وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن ،وتعزيز السلام والديمقراطية، وتشجيع المصالحة الفردية والوطنية.




** المصادر:-

1/ دراسات ومنشورات المركز الدولي للعدالة الانتقالية.
2/ محاضرات الدورة التدريبية للصحفيين حول العدالة الانتقالية ، مركز الخرطوم لحقوق الإنسان وتنمية البيئة.
3/ السودان والمحكمة الجنائية الدولية ،كمال الجزولي.








قراءة في التاريخ الاجتماعي للدين الإسلامي

حول قضية الدين والدولة



هذا المبحث قراءة في التاريخ الاجتماعي للدين الاسلامي بهدف المحاولة الصادقة والمخلصة لازالة كثير من الالتباس في الوعي العربي/الاسلامي السائد حول طبيعةالعلاقة بين الدين والدولة، تلك العلاقة التى اوجدتها ظروف تاريخية اجتماعية محددة متصلة بشخص النبي ، والتي انتفت فيما بعد مع تمهيد النبي نفسه لذلك خصوصاً مع انتفاء الظروف التى اوجدتها ، وإذا كانت واقعة الوحي ذاتها واقعة تاريخية وليست ابدية او ازلية يكون من الطبيعي ان نراجع بواسطة مناهج التحليل التاريخي كل الاحداث التى صاحبت العهد الاول للاسلام بما في ذلك النصوص القرأنية ،..خصوصاً مع بروز وتنامى حركات الاسلام السياسي التي تعتمد علي الدين كوقود ومحرك سياسي بهدف الوصول للسلطة.واعتمادها فكريا علي تنظيرات (الحاكمية،الخلافة.....الخ) وطرح شعارات فضفاضة كشعار ( الإسلام دين ودولة) و(الإسلام هو الحل) في محاولة منها لشرعنة دمج وتوحيد الدين والدولة وتقديس هذا الدمج علي اساس انه مبدأ أو قاعدة دينية..ولقد ظلت ظلت قضية الدين والدولة واحدة من اكثر القضايا الخلافية التى اثارات النقاش والجدل وأسالت الدماء على أمتداد فترات تاريخية طويلة في الماضي والحاضر . عبر دراسة التاريخ يمكننا اكتشاف العديد من الحقائق الهامة في كثير من القضايا التى تتصل بحياتنا بصورة مباشرة ، والحقيقة التى نريد التوصل اليها ونحن بصدد دراسة (قضية الدين والدولة ) هي أن هنالك مفهوم سائد على مستوي الوعي العربي الاسلامي يرسخ للفصل بين الدين وتاريخه الاجتماعي , ومن ثم يرى ان الارتباط او الدمج ما بين الدين والدولة هو احد مكملات الدين, اي انه قاعدة او مبدأ دينى . الحق انه لايمكن أن تفصل بين الدين _اى دين فى نشأته ومرحلة تأسيسه_ وبين تاريخه الاجتماعى البشرى وهنالك نقطة مهمة لابد من توضيحها هنا وهى انه لايمكن أن أن يأتى الدين من فراغ , انما يأتى نتيجة لتطور المجتمع البشرى وصيرورته . يمر المجتمع البشرى بانتاج الدين كمرحلة قابلة للتجاوز خصوصاً مع تطور العلم وأدوات البحث العلمى . فى المجتمع العربى قبل الاسلام كانت هناك حياة بنظمها الاجتماعية , وعاداتها وتقاليدها , وثقافاتها , وحينما جاء الاسلام إعتمد بعضاً من العادات والتقاليد والنظم الاجتماعية والثقافات السائدة انذاك فى المجتع العربى واستوعبها فى بنيته وتكوينه كدين , كما تجاوز بعضها , ونهى عن بعضها , وهذا يعنى ان التاريخ العربى لم يبدأ مع الرسالة المحمدية , من ضمن أبرز النظم والاعراف والعادات التى استوعبها الاسلام فى بنيته كانت مسألة " قطع يد السارق " وهى عرف قانونى "جاهلى " إبتدعه الوليد بن المغيرة قبل الاسلام , وحينما جاء الاسلام اعتمد عليه كعقاب دينى , وكثير من الامثلة والوقائع يمكن أن نسوقها هنا ولكن نكتفي بهذا المثال الوحيد ولان النقطة التى نريد الوصول اليها هنا هى أن الدين الاسلامى ، كأى دين أخر, لايمكننا فصله عن تاريخه الاجتماعى البشرى فى نشأته ومرحلته التأسيسية . وهو قد ظهر فى مجتمع انسانى كامل التكون اجتماعياً , وقد كانت له ارهاصات ما قبل ظهوره تمثلت فى حركة " الحنيفية " التى اعتمد الاسلام على كثير من معتقداتها فى بنيته العقائدية , ومن هنا لابد أن نراجع مسمى "الجاهلية " كدلالة على الفترة التى سبقت الاسلام !.. التجربة التاريخية للاسلام تخبرنا بان الاسلام مر بفترتين حاسمتين فى مرحلته التأسيسية : 1/ الفترة المكية : حيث كانت تعاليم الدين الاسلامى ترتبط بالعقيدة ( الوعد والوعيد , بيان أصول الدين , والدعوة اليها , الايمان بالله .... الخ ) وكانت تنحو اجتماعياً ناحية الموادعة والمسالمة . ولم يكن لمحمد أى سلطة فى مكة سوى دعم ومساندة قومه بنى هاشم له ضد عداء قريش . 2/ الفترة المدينية : فى هذه المرحلة صار الاسلام دولة , وتوحدت السلطتتان الزمنية والروحية فى يد القائد الروحى والنبى الذى يتلقى الوحى . والملاحظ أن التعاليم ( الدينية ) أخذت منحى ( دنيوياً ) , تشريع فى الامور المدنية من بيع وإجارة ... الخ , وان تصرفات النبى وممارساته صارت ممارسات قائد الدولة ( راجع د. سيد القمني : حروب دولة الرسول ) . ونسأل الاَن تساؤلاً مشروعاً :- هل هذا التحول هو تحول فى بنية الدين أم هو تحول تاريخى ؟؟ ! وماذا لو لم يلقى النبى تأييد أهل المدينة ومساندتهم ودعمهم ؟؟! لكن السؤال الاخطر : هل هذا التوحد التاريخى الذى حدث فى المدينة بين السلطتين خاص بشخص النبى , أم أنه توحد أبدى دائم يجب الحفاظ عليه ؟؟ وإذا كان أبدياً لماذا فصمه عمر بن الخطاب؟؟؟؟!!!! كل هذه الاسئلة كانت هى مفتاح التفكير فى قضية الدين والدولة . نودعها فى عقل القارئ لنخلص سوياً الى نتائج اكثر ايجابية حول هذا الموضوع . من الواضح أن الخلاف بين الانصار وأهل مكة حول مسألة " الحكم " إنصب على هذه النقطة . ومن الواضح انه كان هنالك اتجاهان : 1/ اتجاه للفصل تزعمه أهل المدينة / الانصار . 2/ اتجاه الى الدمج تزعمه أهل مكة / المهاجرين . وتغلب اتجاه الدمج وهذه غلبة تاريخية تفسرها نظرية العصبية عند ابن خلدون بمعنى انها غلبة اجتماعية سياسية لا إقرار لمبدأ دينى ( راجع د. نصر حامد أبو زيد : نقد الخطاب الدينى / التفكير فى زمن التفكير ) وبالرغم من أن الصراع كان مسوقاً بدوافع اجتماعية سياسية غير خفية قد اتخذ شكله الدينى لان هذا هو الشكل التاريخى له موضوعياً فى ذلك العصر ومن هنا تحول ظاهر الصراع من كونه صراعاً بين المهاجرين والانصار على السلطة الى كونه صراع بين الهاشميين وسائر الفرقاء على من هو صاحب الحق الدينى فى الخلافة ( راجع حسين مروة : النزعات المادية الجزء الاول ) هنا نخلص الى نقاط حاسمة ومفصلية فى النقاش وهى : أولاً : أن توحد السلطتين الدينية والمدنية ( الذى حدث فى المدينة )هو توحد له اسبابه وظروفه التاريخية الموضوعية وهو خاص بشخص النبى الذى كان يتلقى الوحى وبانقطاع الوحى أو انقطاع العلاقة بين الارض والسماء بات من الضرورى على الانسان مواجهة الواقع وتعقيدلته بعقل مفتوح وتفكير مرن قادر على استيعاب متغيرات الواقع الاجتماعى المتجدد دوماً والمتطور والذى لايمكن أن يتقيد أو يحكم بتشريع واحد على مدى قرون طويلة من الزمان . ثانياً : إن العلاقة بين الدين والدولة اقرتها غلبة اجتماعية سياسية ولم ينزل بها وحى أو يقرها مبدأ دينى .وأبعد من ذلك أن بناء وتأسيس الدول هو ليس من إختصاص الدين واذا كان التوحد بين السلطتين حدثاً تاريخياً أو واقعة اجتماعية يعنى انها ليست جوهر الاسلام . ان ارتباط الدين بالدولة أو التوحد الذى حدث بين السلطتين الدينية والمدنية علي يد النبى فى المدينة يرجع لكون أن النبى هو الذى يتلقى الوحى , هو ارتباط له أسبابه وظروفه التاريخية والتى لا أرى مبرراً لاستمرارها بعد زوال اللحظة التاريخية المرتبطة بنزول الوحى . أى أن العلاقة بين الدين والدولة , أو السلطتين الدينية والمدنية التى اجتمعت فى شخص النبى انقطعت بانقطاع الوحى . وحتى وأن النبى وهو متلقى الوحى لم يكن يربط ما بين الدين والدولة الا بما يقتضيه ظرفه كنبى وقائد ورئيس دولة . وحينما اجتمعت فى شخص الرسول السلطتين الدينية والمدنية لم يمارس احداهما بديلاً للأخرى . فقد كان يمارس امور الدنيا كما وجدها فى عصره , وكما وجد الاقدمين يفعلون كان يفعل ( ويتجلى هذا فى أحداث مثل حفر الخندق , وهو مقترح فارسى ادخله فى بلاد العرب سلمان الفارسى , تأبير النخل , الزراعة , التجارة , بناء المنازل , اعداد الجيوش وأدوات الحرب , شكل الدولة ونظام الادارة فيها وغير ذلك من المنجزات المدنية ) . أما امور الاخرة فيفعلها وفقاً لما يوحى اليه وفى هذا دلالة واضحة على أن الدين معنى فى الاساس بتدبير شئون الاخرة وعلاقة الفرد مع ربه , وهو -الدين -غير معنى بتدبير شئون الدنيا المتغيرة المتجددة المتطورة والتى فى حالة صيرورة دائمة . هنالك الكثير من الامثلة التى يمكن ايرادها لاثبات ان الرسول لم يكن يدمج ما بين السلطتين الدينية والمدنية , ولكن أسطع الامثلة هو ماحدث فى غزوتى بدر وأحد ففى غزوة بدر جهز النبى جيشه وأختار أماكن الرماة , وكان يمر للإطمئنان على سير الجيش واعداده كقائد عسكرى , وكان النصر حليفه , أما فى غزوة أحد فنجد أنه حينما أهمل الرماة أماكنهم ولم يتبعوا تعليمات قائدهم العسكرى أثناء المعركة , واعتمدوا على المدد السماوى , لم يجنوا سوى الهزيمة . من المعروف أن النبى كان يقول لأصحابه فى أكثر من مناسبة " أنتم أدرى بشئون دنياكم " ومن شئون الدنيا كما هو معلوم السياسة والاقتصاد والزراعة والادب والفن والقانون .... الخ . كما أنه لم يترك النبى ولا الوحى الذى جاءه أى اثر ذكرت فيه أمور السياسة والحكم والنظام السياسى وإدارة الدولة , أو الطرق الاكثر ايجابية لزيادة المحاصيل الزراعية , أو كيفية اعداد الموازنة العامة للدولة أو الوصفات الطبية العلاجية الى غير ذلك من الاشياء و الامور الدنيوية / المدنية المتروكة للعقل والخبرة والتجارب البشرية . كان جثمان النبي مايزال مسجى فى بيته حينما اجتمع اهل الحل والعقد فى سقيفة بنى ساعدة يبحثون تنظيم أمور دنياهم بعد أن انقطع الوحى وبقى الانسان المسلم فى مواجهة مصيره على هدى عقله ومبادئ دينه , وحين قال عمر بن الخطاب للمجتمعين ( ان العرب لاتدين الا لهذا الحى من قريش منا الامراء ومنكم الوزراء ) كان يتكلم سياسة بحتة تحدد موازين القوى فى المجتمع العربى وكانت سياسة بعيدة عن الدين أو يمكن أن نقول كانت امور دنيا بعيدة الاخرة . وهى أمور لم يقل بها وحى ولا جاءت بها سنة . ولم يكن المجتمعون يبحثون عن ايهم أشد ايماناً فكلهم مؤمنون , انما كان مدار البحث عن أيهم "أقدر" على تدبير شئون دنياهم , التى هم أدرى بها , والحصول على طاعته ... ان الدمج ما بين أمور الدنيا وأمور الاخرة أو زج الدين فى الممارسة السياسية يخرجه عن أهدافه المثلى ـ كدين ـ ويغرقه حماة الصراع السياسى بل والصراع الدينى والطائفى والقومى . فيصبح الدين سياسة وتصبح السياسة ديناً . وبذلك يحرم من مركزه المتميز الذى يجعله موجهاً للمجتمع وهادياً له . كان عمر بن الخطاب الاكثر وعياً بمقولة : ( فصل الدين عن الدولة ) وأول من نفذ عملياً تنظيره ( أنتم ادرى بشئون دنياكم ) , فنجده لوعيه العميق بظروف مجتمعه الاقتصادية ـالاجتماعية قد عطل ( حد السرقة ) المنصوص عليه فى القراَن بنص قطعى الدلالة فى عام الرمادة . كما نجده قد ألغى سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة وهو أيضاً منصوص عليه فى القراَن بنص قطعى الدلالة , التساؤل المشروع الذى يمكن طرحه هنا : هل حينما فعل عمر كل هذا الذى فعله ( من تعطيل للنصوص وخلافه ) كان يخالف كتاب الله وتعاليم النبى ؟! الحقيقة انه كان يتعامل مع روح النصوص وليس مع حرفيتها . اي انه كان يتعامل تعاملاً عقلانياً تقتضيه ظروف الحراك الاجتماعى للمجتمع . أن عمر بن الخطاب بتعامله العقلانى مع النصوص , وتمسكه بروح النص لاحرفيته , يكون قد أرسى بدايات مفهوم تاريخية النصوص القرانية . وفى إطار سلوكه العقلانى هذا نجده ـ عمر - داعماً للفصل المشروع بين الدين والدولة لاسيما وانه قد حول فى عهده وصف أو لقب رئيس الدولة من ( خليفة رسول الله ) الى ( أمير المؤمنين ) داعماً بذلك الاساس المدنى للدولة الناشئة حتى لايكون لرئيس الدولة أى سلطات دينية أو مرتكزاً على الدين أو حاكماً بالحق الالهى . وبالتاكيد لن يكون التحويل من لقب أو وصف ( خليفة رسول الله ) بدلالته الدينية الى لقب / وصف ( أمير ) بدلالته المدنية مجرد تحويل شكلى أو شكلانى بقدر ما كان تحويلاً أو تحولاً جوهرياً سعى لتقويض الاساس الثيوقراطى للدولة . بمعنى اعتماد تشريعات الدولة وقوانينها وادارتها على الواقع الاجتماعى اكثر من اعتمادها على الدين وأحكامه وقد طبق عمر نفسه ذلك فى عهده الذى كان اكثر عهود ( الدولة الاسلامية ) استقراراً , وهذه ملحوظة جديرة بالاهتمام والدراسة . ألم نلاحظ من خلال قراءة التاريخ ان فترة حكم عمر بن الخطاب كانت هى الفترة الوحيدة فى تاريخ ( الدولة الاسلامية ) التى شهدت استقراراً تاماً الى نهايتها , كما انها الفترة الوحيدة التى تبلور فيها الشكل المدنى للدولة , فبخلاف عهد عمر لم تشهد الدولة الاسلامية اودولة المسلمين على سبيل الدقة الاصطلاحية عهداً مستقراً بكامله . فابوبكر الصديق قضى اغلب عهده فى محاربة المرتدين عن الاسلام "حروب الردة" وعثمان فى مقاتلة الثوار , وعلى فى فى سبيل أخذ البيعة وحروب الفتنة ...الخ ( نستطيع أن نذكر بقدركبير من اليقين ان فترات استقرار الحكم فى سنوات حكم الخلفاء الراشدين لم تزد عن عهد عمر ونصف عهد عثمان ( الستة اعوام الاولى من حكمه ) , أما قبل ذلك فهو عهد ابوبكر وأغلبه كان منصرفاً الى قتال المرتدين عن الاسلام , وأما ما تلى ذلك فيتمثل فى الستة اعوام الاخيرة من عهد عثمان , وهى الفترة التى تزعم معارضته فيها نفر من الصدر الاول للاسلام يكفى أن نذكر منهم : عبدالرحمن بن عوف , الزبير ابن العوام , طلحة بن عبيد الله , على بن أبى طالب , أبار الغفارى , عبدالله بن مسعود , عمار بن ياسر وغيرهم كثيرون , فاذا تجاوزنا حكم عثمان فنستطيع أن نقول بدون تجاوز للحقيقة ان خلافة على بن أبى طالب , لم تكن اكثر من فترة جهاد فى سبيل جمع كلمة المسلمين على بيعته , وهو الامر الذى لم يتحقق له , وأنه قاتل فى سبيل ذلك حتى قتل غيلة , وكان اجماع المسلمين عليه عند مقتله أقل بكثير منه عند توليه , ويرى بعض الفقهاء ان الخلافة لم يتحقق الا للثلاثة ( خلفاء ) الاولين وهو أمر محل نقاش وجدل ( راجع د. فرج فودة : قبل السقوط ) . واذا كان هذا حال رجال صدر الاسلام الأول وأصحاب الرسول فان الحقيقة الساطعة هنا هى ان المجتمع المثالى / الفاضل أمر لم يتحقق علي مدي التاريخ الانساني كله ، وبالتالي علي مدي تاريخ الخلافة الاسلامية كله ، حتي في ازهي عصوره وهذه دعوة للتامل والتفكير تقدمها لمن يتصورون ان تطبيق الشريعة الاسلامية والالتزام المظهري بالدين ( نمط التدين الشكلاني ) من تطويل اللحي وتقصير الجلاليب هو الحل لازمات مجتمعنا ويصورون ان الفقر والمرض والجوع والاوبئة التي تعانيها مجتمعاتنا هي بسبب ابتعادنا عن طريق الله ( !!) وتركنا للدين وعدم تطبيق الشريعة ( !!) وهم لايدرون ان ازمات مجتمعنا ( بما فيهم هم ) لها اساسها الاقتصادي المتمثل في فقر البني التحتية للمجتمع من خدمات صحة وتعليم ، وان خيرات بلداننا جميعها تذهب الي خزائن السلطان بدلا عن بطون الجوعي وايادي الفقراء . ان المرض والفقر والجوع لا ارتباط لها بالقرب من الله او الابتعاد عنه بقدر ماهي تجلي لازمات اقتصادية – اجتماعية معينة . لكي نصل الي الوعي المطلوب حول قضية الدين والدولة لابد ان نفرق عن وعي و نميز مابين (الاسلام الدين والاسلام الدولة) وما بين (ثوابت الدين ومتحركات التدين) او (ما بين الدين ونمط التدين) وفي كلاهما انتقاد الثاني لايعني الكفر بالاول والخروج عليه ، وانك في الثاني سوف تجد كثيرا يقال او يعترض عليه حتي في اعظم ازمنته ، بينما لانجد في الاول الا ايمانا . وانه اذا جاز ان يقال هذا في عهد الخلفاء الراشدين ، فانه يجوز ان تقول ماهو اكثر واكثر حين تتصدي بالنقد والتحليل لعصور لاحقه ارتفعت فيها رايات الحكم الديني وادعي اصحابها انها وجه الاسلام الصحيح ، وانهم الحافظون لكتاب الله المحافظون عليه ، والتابعون للسنة والمتابعون لها ، وهم بالرغم من ذلك يستحلون القتل في غير حق ، والظلم بلا داع ، وليس لهم وازع . كذلك نريد ان نصل الي ان وعي حقيقي يفرق مابين الدين كمقدس في ذاته سر تقديسه الوحي الالهي والكتب السماوية ومابين الخطاب الديني الذي يفسر ويؤول الوحي او يشوه الدين بالاستخدام النفعي للدين في مصالحه الخاصة وفي دول العالم الاسلامي ومجتمعاتنا اسطع الامثلة علي تشوية الدين واستخدامه استخداما نفعيا في المصالح الخاصة ، فعلي ايام التوجه الاشتراكي ومده المتنامي ساند رجال الدين هذا التوجه وادعوا بان الاسلام هو الدين ، ومثلما ساندوا ودعموا المد الاشتراكي تماما ساندوا ودعموا الراسمالية ونادوا بان الاسلام هو الدين الراسمالي ( وهذه احد اشكاليات فهم التراث الديني يفسرها بصورة ممتازة حسين مروة في مؤلفه الثر النزعات المادية في الفلسفة الاسلامية ) وفي ايام الحرب مع اسرائيل كان الخطاب الديني السائد هو اعلان الجهاد ضد اعداء الله وفي زمن كامب ديفيد برز الي السطح خطاب ديني ينادي بان الاسلام هو دين السلم . وحاضره في الذهن التجربة المريرة التي عايشها ويعانيها الشعب السوداني بعد استيلاء الجبهة الاسلامية علي نظام الحكم بانقلاب عسكري ( لاحظ الوسيلة ) فكان او مافعله نظام الجبهة الاسلامية هو اعلان الجهاد ضد الكفار (!!!) من قوي اليسار والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية لتحرير السودان.. والغريب في الامر ان كل هذه المتضادات والمتناقضات تتم بالاستناد الي ايات قرانية وهذه في حقيقة الامر لاتعدو كونها استهانه بالوحي وجعله مطية لكل الاغراض . ( راجع د.نصر حامد ابوزيد الخطاب والتاويل ) اذا كان عمر بن الخطاب كما ذكرنا هو اول من طبق عمليا التنظيره المدنية لنبي الاسلام ( انتم ادري بشئون ديناكم ) واسس بذلك الفصل المشروع بين الدين والدولة الذي كان يسعي لتطبيقه نبي الاسلام من خلال عدة مواقف عملية ومقولات نظرية ( حفر الخندق ، الغزوات ، تأبير النخل ) هذا يعني- في اعتقادي- انه كان واعيا بضرورة الدولة المدنية ومضار الدولة الدينية ( الثيوقراطية ) ولفك الالتباس ومزيد من الايضاح حول طبيعة الدولة الدينية ووظيفتها وسماتها يمكن ان نسوق ونناقش التعريف التالي للدولة الدينية. اذ يمكن تعريف الدولة الدينية علي انها ( الدولة التي تنظر الي الاعتبارات الدينية علي انها الاعتبارات النهائية التي ينبغي للحاكم ان يلجا اليها ليقرر ماالذي ينبغي سنه من قوانين واختطاطه من سياسات علي كل المستويات والمجالات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية ... الخ )ومن خلال هذا التعريف تتضح لنا عدة نقاط هي : 1/ سيطرة رجال الدين ليست هي المعيار لان تكون هذه الدولة دينية ام مدنية بل المعيار هو ان يكون الدين المصدر الاخير للتشريع . 2/ يتحول رجال الدين الي وسطاء لاضفاء الشرعية علي الحكم وسياساته . 3/ الدولة الدينية -وفقا لهذا المفهوم – لم توجد في عصور صدر الاسلام الاول ( عهد الرسول ، عهد عمر ) ، ولكن لاحت بعض مظاهرها في عهد عثمان واختفت لتاخذ ملامحها الكاملة ابان عهد الحكام الامويين والطغاه الذين اساءوا للدين وللعلماء واسسوا ملكهم العضود علي دماء المسلمين . خلاصة القول ان المجتمع الفاضل الذي يتصوره البعض -ويصوره للشباب الغض التفكير- لم يتحقق في اي عهد من عهود التاريخ الاسلامي ، ولايمكن ان يتحقق مجتمع فاضل ينبني اساسه علي تنظيرات دينيه / ميتافيزبيقيه / غيبية بعيدة ومنفصله علي الواقع الاجتماعي . ولايمكن لاي دولة قائمة علي اساس ديني ( تشريعات ,قوانين ,احكام مستمدة من الدين ) ان تحقق العيش الكريم والحياه لمواطنيها ( حتي ان مفهوم المواطنه في فكر الاسلامويين يحتاج للبحث والدراسة سنحاولها في مرات قادمة) ان ماتنادي به حركات الاسلام السياسي اليوم وماتدعو اليه من قيام (الخلافة) او( تطبيق الشريعة الاسلامية) لا يعدوا ان يكون سوي ضلال فكري وتوهان وجر لمجتمعاتنا بخطوات متسارعة للوراء . ان الحكم الديني المطلق او الحكم بالحق الالهي الذي تسميه حركات الاسلام السياسي بالخلافة هو ليس جوهر الاسلام كما ذكرنا ولا اساس له الا في تلك الاخيلة المريضة بكراسي السلطة . وان حركات الاسلام السياسي تعمل علي استغلال الدين بصورة مشينة وغير مقبوله علي الاطلاق وتدغدغ من مشاعر وعواطف الجماهير بهدف الوصول لغاياتها المنشودة في السلطة . يكفي ان نشير هنا الي الجبهة الاسلامية القومية بالسودان ومافعلته من قبح ودمار للمجتمع السوداني ، بل اصبح في ظل نظام الجبهة الاسلامية وجود السودان كدولة موحدة مهدد بخطر حقيقي وهو التشرزم الي دويلات ، ذلك بفعل اثارة النعرات القبلية والولاءات الذي اتت به سلطة الجبهة الاسلامية . حينما كانت الجبهة خارج سور القصر كان شعارها المرفوع ( شريعة شريعة قبل القوت ، شريعة شريعة ولا نموت ) وبهذه الشعارات داعبت عواطف الجماهير وحتي لحظة وصولها الي كراسي الحكم وبعد ان وصلت الي سدة الحكم ايضا ظلت تسوق الابرياء من ابناء شعبنا الي محرقة الحرب بالجنوب بدعاوي الجهاد ولكن / بعد عدد من الافعال والتحركات داخليا وخارجيا ، الان قبلت الجبهة بالدستور العلماني !! وضربت بشعارات ( شريعة ... الخ ) عرض الحائط كان المهم هو الوصول للسلطة لاغير . في معرض الحديث عن حركات الاسلام السياسي المعاصره لابد من تقديم اشارات مقتضبة حول فكر هذه الحركات 1/ الخلافة : وهي اكثر مسالة اشتد فيها الخلاف بين المسلمين وسالت فيها دمائهم والسبب في ذلك يعود الي ان الرسول صلي الله عليه وسلم لم يحدد – من يخلفه في حكم المسلمين وانقسم المسلمون يومها الي سنه وشيعه ومعتزله ومرجئة الي ان بلغ عدد فرقهم الي مايزيد عن ال 70 وان كان لهذا الاختلاف اسبابه التاريخية المرتبطة بواقع المسلمين ذلك الحين الا ان معظم هذا التفرق والاختلاف كان علي خلفيه قضية سياسية وليست دينية ملحة وهي قضية الخلافة . 2/ الحاكمية : تعتمد قوي الاسلام السياسي او الحركات الاسلامية المعاصره علي مبدا الحاكمية الالهية التي هي نقيض حاكمية البشر ، والتي سوف تقودنا لامحالة الي الحكم بالحق الالهي ،وان يكون الحاكم ظلا لله في الارض وتكون الاعتبارات الدينية هي الاعتبارات النهائية ببساطة تدخلنا الي نفق الدولة الدينية المظلم بمفهومها الذي عرضنا له قبل قليل وينطلق خطابها من مبدا تحكيم النص الذي هو في اساسه تحكيم وتفسير فهم فئة معينة للنص ويتم ذلك علي حساب العقل وينتهي ذلك بالخطاب الديني الي موقف نقيض للاسلام لانه نقيض للعقل رفيق الاسلام اساسه المتين . ثم يقوم الخطاب الديني / خطاب الحركات الدينية بتحريم ماعدا ذلك عن طريق التغطية الايدلوجية لتوجهاته الرجعية عن طريق مبدا ( لا اجتهاد مع النص ) . وهي خدعة ايديولوجية لان معني النص هو ( النص الواضح القاطع الذي لايتحمل الا معني واحدا ) وبهذا التعريف يمكن ان يكون النص نادرفي الوحي / القران وتظل سائر الايات قابلة للتاويل والاجتهاد ويستند مفهوم الحاكمية علي شمولية سلطة النصوص الدينية لكافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية ويجب ان تشيرهنا الي انه لاتوجد آية واحدة ولاحديث ولا اي اثر نبوي يشير الي مسالة الحكم بمفهومه السياسي . ولقد كان ابوعلي المودودي اول من وضع مفهوم الحاكمية وقد استند في ذلك علي الايات التاليه من سورة المائدة ( ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون (44) . وليحكم اهل الانجيل بما انزل الله فيهم ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون .(47) . ومن لم يحكم بماانزل الله فاولئك هم الظالمون (45) . وهذه الايات اولا هي منزوعه من سياقها علي نمط ( لاتقربوا الصلاة ) واضيفت لها دلالات ليست لها وثانيا معني الحكم الوارد في الايات هو الفصل بين المتخاصمين اي بالمفهوم القضائي للحكم اي انه الحكم بالمعني اللغوي لا بالمعني الاصطلاحي الذي يعني النظام السياسي . يقول ابوعلي الموروردي – منظر الحاكمية – في كتابة نظرية الاسلام وهدية في السياسة والقانون والدستور ( ان الاساس الذي يقوم عليه بناؤها الحاكمية تصور مفهوم حاكمية الله الواحد الاحد وان نظريتها الاساسية ان الارض كلها لله وهو ربها المتصرف في شئونها فالامر والحكم والتشريع كلها مختصة بالله وحدة وليس لفرد او اسرة او طبقة او شعب بل ولا النوع البشري كافة شئ من سلطة الامر والتشريع (!!) فلا مجال في حظيرة الاسلام الا لدولة يقوم فيها الفرد بوظيفة خليفة لله تباركت اسماؤه ولاتتاتي هذه الخلافة بوجه صحيح الا من جهتين : اما ان يكون ذلك الخليفة رسولا او رجل يتبع الرسول فيما جاء به الشرع والقانون من عند ربه ) . هذا الموقف والشعار هو امتداد لقول الخوارج علي اساس موقفهم من التحكيم بين علي ومعاوية مرددين ( لاحكم الا الله ) وكان رد الامام علي كرم الله وجهه ( الكلام بين دفتي المصحف لاينطق وانما يحكم الرجال ) وهذا يعني تحكيم عقول الرجال الذين يفهمون الكلام الذي بين دفتي المصحف ... اما المنظر الاخر فهو سيد قطب ويكفي لمعرفة موقفه ان نورد الاقتباس التالي من كتابه معالم في الطريق حيث يقول ( العالم كله يعيش اليوم في جاهلية من ناحية الاصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وانظمتها . جاهلية لاتحقق منها شيئا هذه التيسيرات المادية الهائلة وهذا الابداع المادي الفائق وسبب هذه الجاهلية بقول سيد قطب . الاعتداء علي سلطان الله في الارض وعلي اخص خصائص الالوهية وهي الحاكمية انها استند الحاكمية الي البشر ونتيجة لهذا الاعتداء علي سلطان الله يحدث اعتداء علي عباده خاصة وان الله لم ياذن للبشر بوضع الشرائع والقوانين والانظمة والتصورات والقيم (!!) سيد قطب معالم في الطريق ) هذا هو سيد قطب مهندس فكر الحركات الاسلامية المعاصرة ودون ان نناقش فكرته هذه بشكل مستفيض يجب اولا ان نسجل ملحوظة مهمة وبسيطة وهي : ان هذا الافتراض يتناقض مع فكرة استخلاف الانسان علي الارض المشار اليها في القرآن وعلي العموم فان مفهوم الحاكمية يلغي من فهم الاسلام تلك المناطق الدنيوية التي تركها للعقل والخبرة البشرية والتجربة الانسانية في قول النبي (انتم ادري بشئون دنياكم) (راجع د.نصر حامد ابوزيد : نقد الخطاب الديني / التفكير في زمن التكفير ضد الجهل والزيف والخرافه ) . استغلال الدين :حركات الاسلام السياسي المعاصرة جميعها ،وفي اطار سعيها لتشوية افكار الاخر وهي أحد أليات عملها – تكرر مقولة ( الدين افيون الشعوب ) وتدعي نسبتها للماركسية وتدلل بهذه المقوله علي ان الماركسية ضد الدين وتعمل علي محوه من المجتمع – خصوصا عندما ينادي المراكسة بالعلمانية – وبغض النظر عن صحة هذه المقولة ، او من اي سياق بترت ، او عن صحة نسبتها لماركس ، الا ان حركات الاسلام السياسي تعمل بلا وعي منها علي تحقيق هذه المقوله بامتياز . وبالفعل تستخدم الحركات الاسلامية الدين الاسلامي كافيون تخدر به الشعوب وتدغدغ به عواطف الجماهير ومشاعرها ، وتشل بواسطته الدين قدرة الجماهير علي الفعل وعلي التفكير وتعمل علي نهب خيراتها وفي السودان اصدق نموذج يدلل علي هذا الكلام . تتعامل قوي الاسلام السياسي مع الدين بشكل انتهازي قبيح وتسخره لاستغلال الانسان وسلبه من انسانيته وقد كان ثاقب الفكر والوعي ، عميق الرؤي عبد الخالق محجوب واعيا ومتبصرا بهذا الشكل من اشكال التعامل مع الدين ونوهنا باكرا الي ان استغلال الدين هو احد اهم اليات عمل حركات الاسلام السياسي ويمكن ان يكون احد المنافذ التي يتسلل منها الاستعمار الحديث اذا يقول يرفض النظام الوطني الديمقراطي استغلال الدين من اجل مصالح الطبقات الرجعية في البلاد والتي تسعي الي اعادة العلاقات الانتاجية القديمة وهي بهذا انما تسخر الدين من اجل استغلال الانسان وسلبة من انسانيته .هذا الاستغلال للدين يتعارض مع مصالح المجتمع ويتناقض مع المستقبل الافضل للانسان الذي يصيغه بعقله ويديه وهو ينتقل من ساحة الحاجة الي ساحة الحرية . ولقد ادي استغلال الدين بهذه الطريقة الي الاسفاف به والي استغلال الكادحين وبقائهم في حالة مزرية من الجهل والظلام . تولدت في هذا المستنفع الاسن الطفيليات الاجتماعية مثل الطائفية والدجل والشعوذه واعمال السحر والتي ظلت عونا للمستعمر ايام تحكمه في بلادنا سندا للحكم البرجوازي شبه الاقطاعي فيما بعد وليس ادل علي تلك الاضرار في تاريخ الحركة السياسية السودانية من مسخ الدين وتحويل دعوته الي برنامج كامل لطريق الراسمالية والتبعية للاستعمار الحديث ( مشروع الدستور الاسلامي ) راجع عبد الخالق محجوب : حول البرنامج . يتضح من الاشارات التاريخية أنفه الذكر ان العلاقة بين الدين والدولة كانت مرتبطة بشخص النبي الذي يتلقي الوحي وبوفاة النبي وانقطاع الوحي انقطعت العلاقة مابين الارض والسماء وبقي الانسان المسلم في مواجهة واقعه علي هدي العقل وحتي ان النبي الذي جمع السلطتتين الدينية والمدنية لم يكن يداخل ما بينهما ولم يستغل احداهما بديلا للاخري ولذلك لم يكن يخلط او يوجد مابين الدين والدولة الا بما يقتضيه ظرفه كنبي وقائد ورئيس دولة . ولم يكن ليحدث الا لسبب بسيط ومعروف للجميع وهو ان الدولة منجز مدني ولا علاقة لها بالدين ولان الدين في راي هو علاقة ما بين الفرد وربه غير قابلة للتدخل فيها من احد وغير قابلة للتنظير .ثم ان الدين ليست من مهامه بناء وتكوين الدول بقدر ما هو مهتم بتدبير شئون الاخره . وعلي سبيل السجال ليس الا اذا كان من مهام الدين بناء الدول اين هي دول الخمسه وعشرين نبي واديانهم ، اذا لم نسمع بدولة لوط ولا دولة ابراهيم ولادولة يوسف .... الخ . ان قصور الفهم الذي لازم الكثير من عقول المسلمين في استيعاب ديانتهم وتعاليمها وارشادات نبيهم كانت هي السبب الرئيسي مع اسباب اخري في الدعاوي الي بناء وتكوين الدولة الاسلامية ومصطلح الدولة الاسلامية دالة لنا عليه ماخذ سنوضحها في مرات قادمة .فاختيار خليفة الرسول بعد وفاته فرض علي المسلمين امتحانا عمليا لمدي قدرتهم عي تجاوز الموقف ، من واقع الدين الاسلامي وذلك الموقف قد وضع الاختبارات والبدائل المتناقضه في محك المواجهه وقد وضعت العصبية القائمة علي الدم ( الائمة من قريش ) في مواجهة الاخوة القائمة علي الدين ووضعت الافضلية القائمة علي الاقليمية او السبق في الاسلام او تاخره ( منا امير ومنكم امير ) في مواجهة الافضلية القائمة علي التقوي . اما التحدي الجوهري الذي واجه العرب المسلمين فقد كان صيغة الحكم بمعني هل يقوم الحكم ويستند علي الشوري ام علي النص والتعيين ، ولقد لخص الشهرستاني الخلاف علي النحو التالي ( واعظم خلاف بين الامه خلافف الامامه اذا ما سل سيف في الاسلام علي قاعدة دينية ، مثل ما سل علي الامامة في كل زمان ) والاختلاف في الامامه علي وجهين احدهما القول بان الامامه تثبت بالاتفاق والاختيار ، والثاني القول بان الامامه تثبت بالنص والتعيين . وقد حدد الاقتتال الدامي حول صيغه الحكم طبيعة الدولة الاسلامية ان لاتقوم علي الاتفاق والاختيار . وهكذا اصبحت الدولة الاسلامية منذ الدولة الاموية امتدادا من زاوية تقاليد الحكم والدولة لشكل الحكم الشرقي القديم .( راجع د. عبد السلام نور الدين : العقل والحضارة / مقدمه بن خلدون / الشهرستاني : الملل والنحل ). هكذا نخلص الي ان الدين لم يحدد شكل الدولة ولا طريقة تكوينها ولانظامها الاداري او القانوني وان مبدا السلطان الثلاث ( تشريعية – تنفيذية – قضائية ) هو من انتاج البشر وليس من خلف الإلة . وان الدين لم يفصل او ينزل وحيا في شئون الدولة وامور السياسة اي ان الدولة هي منتوج بشري ظهر الي الوجود بفعل التطور الاجتماعي وتنقل المجتمعات البشرية من تشكيلة اقتصادية – اجتماعية الي تشكيلة اخري . وقد ظهرت تاريخيا مع ظهور الملكية الخاصة . وبذا تكون الدولة هي شان مدني محض لاعلاقة له بالدين . والاهم ان مسالة الدين هذه يجب النظر اليها في اطار العلاقة بين الفرد وربه . وتبقي الدولة شانا مدنيا يحتكم الي الدستور المدني / العلماني الذي انتجته العقول البشرية المتمدنه والمهمومه بالتقدم